أكثر ما نحتاجه فى منطقتنا فى المرحلة الراهنة هو الحوار الجاد على مختلف المستويات. حوار داخل بلدان المنطقة لبناء جسور ضرورية لعبور خلافات وصراعات تراكمت مقدماتها على مدى عقود، وانفجرت منذ مطلع العقد الحالى. وحوار بين هذه البلدان سعياً إلى عبور اضطرابات إقليمية تهدد مستقبلها. وحوار، أيضاً، بين هذه البلدان والدول الكبرى المؤثرة فى تفاعلات المنطقة، والمتدخلة فيها. ورغم ضعف الثقافة اللازمة لهذا الحوار فى منطقتنا، يظل هو السبيل الوحيد لمن يرمون إلى بناء جسور أياً كانت الصعوبات التى يواجهونها. ولذلك، أحرص عادة على المشاركة فى أى عمل يهدف إلى تعزيز الحوار. لكننى لم أستطع، لظروف صحية، تلبية دعوة مركز الرافدين للحوار، واعتذرت عن عدم المشاركة فى الملتقى السنوى الأول الذى نظمه فى بغداد الأسبوع الماضى بهدف (تعزيز الحوار، وبناء الإجماع الوطنى، من خلال الحوار بين الفاعلين فى الشأن العراقى والمهتمين به). ومع ذلك، فقد تابعتُ أعماله بمقدار ما استطعت عن طريق بعض وسائل الإعلام، وأصدقاء شاركوا فيه، ولاحظتُ مدى جدية النقاش، خاصة فى حضور مسئولين، وسياسيين عراقيين، إلى جانب أكاديميين وباحثين ومثقفين من العراق وخارجه. عُقد المنتدى فى بداية عمل حكومة جديدة يُنظر إليها بعين الأمل. ورغم جسامة التحديات التى تواجه هذه الحكومة، يظل فى إمكانها أن تستثمر تطويرين مهمين فى العراق، الأول هو وجود استعداد للحوار رغم العوائق التى تعترضه، الأمر الذى يبشر بأن يستوعب الجميع درس المحن التى تعرض لها العراق على مدى عقود، ويدركوا أن أحداً لن يلغى غيره، وأن على كل طرف قبول الآخر واحترام حقوقه أياً كان الخلاف معه. أما التطور الثانى فهو التوافق الذى حدث على اختيار رئيس الوزراء الحالى عادل عبد المهدى. ولا ينبغى إغفال أهمية هذا التوافق رغم أنه لم يشمل تشكيل الحكومة فى مجملها. فعندما يكون الوضع معقداً، لا يُنتظر تغييره بكل جوانبه فى وقت قصير. لكن المهم أن يتواصل الحوار بين صانعى القرار والباحثين والأكاديميين، على نحو ما حدث فى ملتقى الرافدين للحوار. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد