اجتاح الطقس السيئ معظم دول العالم ،وتسببت موجات الصقيع والعواصف الثلجية فى وفاة عدد من الأشخاص وشلل فى حركة النقل البرى والجوى فى العديد من دول أوروبا بسبب موجة «وحش الشرق»، كما ضربت عاصفة ثلجية عاتية أكثر من نصف الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتعالت الشكوى من الأزمات التى سببتها هذه الموجات والعواصف بالرغم من أنها لا تستمر سوى عدة أيام ، فما بالنا بمدن تصل درجة البرودة بها إلى 70درجة مئوية تحت الصفر، ويتعايش سكانها مع هذه الظروف المناخية الصعبة عدة أشهر، وخلال هذه المدة لاتتوقف أنشطتهم اليومية أو تتأثرأعمالهم الحياتية. هناك فى مدينة ياكوتسك وهى عاصمة أقليم ياقوتيا، والتى تقع جنوب سيبريا الروسية، يعيش أكثر من 286 ألف نسمة فصل الشتاء الذى يستمر من أكتوبر حتى أبريل فى درجة حرارة تتراوح بين -30 درجة مئوية و-60 درجة مئوية، لذلك لا ينعم سكان ياكوتسك بفصلى الخريف والربيع ، بل قد تتساقط عليهم الثلوج فى شهر يونيو فى بعض الأحيان، كما أن الضباب الكثيف يغطى المدينة بشكل دائم، ولكن ما يثير الدهشة هو تجاوب السكان مع هذا الطقس وممارسة حياتهم بشكل طبيعى، حيث يذهبون إلى العمل سيرا على الأقدام، ويستخدمون وسائل النقل العام، ويمارسون الرياضة والجرى كل يوم. بل وتذهب الأمور إلى أبعد من ذلك، حيث يعرف عن أهل المنطقة تقليد قديم، يتجسد في استحمامهم الدورى فى مياه النهر فى منتصف فصل الشتاء!، كما أن المدارس لا تغلق أبوابها إلا عند انخفاض الحرارة عن 60 درجة تحت الصفر، ومع ذلك يستطيع الأطفال استخدام الصالات الرياضية التابعة لمدارسهم فى فترات إيقاف الدراسة.ولقد تغلب سكان ياكوتسك على العيش فى الشتاء القاسي، بارتدائهم الفراء السميكة، والعيش فى بيوت مهيأة لظروف البرد القارس، وتعد مدينة ياكوتسك، مركزا تجاريا، وعسكريا و إداريا لشرق سيبيريا وهى ميناءً رئيسى على نهر لينا، كما تضم جامعة تأسست عام 1956م، وفرعاً من الأكاديمية الروسية للعلوم، وتضم مطارين وجامعة ومدارس ومسارح ومتاحف أيضا . وتم تأسيس هذه المدينة عام 1632م، حيث أقام مجموعة من الجنود الروسيين حصنا على الضفة اليمنى لنهر لينا، وخلال فصل الربيع غرق هذا الحصن ، وتم نقله إلى موقع آخر يعاكس تيار النهر، على الضفة اليسرى لنهر لينا، وتمت تسمية الحصن بياكوتسك ، ومنذ ذلك الوقت أخذت المنطقة بالتطور لتصبح وجهة مرغوبة جدا للسائحين، ويزورها الناس من كل أنحاء أوروبا وأمريكا والصين، كما يطلق عليها الزوار اليابانيون تسمية «القطب البارد». وهناك قرية أشد برودة ومن أجل الوصول إليها، لابد من قيادة السيارة مدة يومين من مدينة ياكوتسك، وهى قرية «أويمياكون» التى تعد أبرد منطقة مأهولة على وجه الأرض، حيث تصل درجة الحرارة فى هذه القرية فى بعض الأحيان إلى 70 درجة تحت الصفر، وهى أقل درجة حرارة تسجل فى مكان مأهول فى نصف الكرة الشمالي. وعدد سكانها يبلغ نحو 500 شخص فقط، لذلك لاتحظى بشهرة مدينة ياكوتسك ، وتقع القرية فى سيبريا وتبعد عن العاصمة الروسية 9 آلاف كيلومتر مربع، والطريف أن « أويمياكون»، تعنى النهر الذى لا يتجمد، فالماء لا يتجمد هناك حتى عندما تصل درجة الحرارة إلى 60 درجة مئوية تحت الصفر!. وكانت القرية فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى محطة لرعاة الأيائل الذين يسقون حيواناتهم من عين دافئة قرب القرية، لكن الحكومة السوفيتية حولت المكان إلى مستوطنة دائمة للرعاة. وينسب اسم القرية أويمياكون إلى النبع الدافئ القريب من القرية. وما يميز هذه القرية خيولها الصغيرة نسبياً، والفريدة من نوعها فى العالم، مما يمكنها من التنقل بسهولة عبر الطرق الضيقة والطويلة المكسوة بالثلوج، وأويمياكون تتبع أقليم «ياقوتيا» وهى لاتعرف فقط بأراضيها الباردة، وأحصنتها الجميلة، بل مشهورة ايضاً بأراضيها الغنية بالنفط والغاز والذهب والفضة، و ما يمثل 23 % من إنتاج أجود أنواع الماس فى العالم. ويبلغ طول النهار في هذه القرية 3 ساعات بالشتاء ويصل إلى 21 ساعة في الصيف، وبسبب الطقس القاسي، لا تنمو محاصيل هناك، ولا توجد نباتات سوى أشجار معمرة قديمة و يعتمد أهلها على لحوم الأيائل (الرنة) والخيل فى طعامهم، ويعانى سكان القرية فى حياتهم اليومية من تجمد السوائل حتى حبر الأقلام ، وسرعة نفاد بطاريات الطاقة، وبعض السكان يبقون على تشغيل محركات سياراتهم طول اليوم خوفا من عدم تمكنهم من إعادة تشغيلها إذا أوقفوا المحرك، و فى بعض الأوقات تصل درجة الحرارة إلى مستوى يمنع هبوط الطائرات خوفا من تجمد وقود محركاتها، وبالرغم من وجود تغطية لشبكات الاتصالات، فإن هواتف المحمول والانترنت لا تعمل فى الظروف شديدة البرودة، وهناك مشكلة من نوع آخر، حيث يستغرق دفن الموتى مدة لا تقل عن ثلاثة أيام، حيث يجب إذابة الجليد بالفحم المشتعل قبل حفر الأرض. أما بلدة فيرخويانسك فى روسيا فهى واحدة من أبرد الأماكن فى العالم أيضا، ولا يتجاوز تعداد سكانها 1300 شخص وتقع على ضفاف نهر يانا، وأدنى درجة حرارة تم تسجيلها في فيرخويانسك هى -67٫8 درجة مئوية فى عام 1885. ويبلغ متوسط درجة الحرارة فى شهر يناير هو -45 درجة مئوية، وفى بداية القرن ال19 كانت مكانا يُنفى إليه المتمردون والثوار. وتكون درجات الحرارة بها منخفضة أيضا فى فصل الصيف إذ تصل إلى ثلاث درجات تحت الصفر، ولذلك تعد أصعب الأماكن فى دولة روسيا للعيش فى ظل ظروف هذا الطقس السيئ . أما المناطق شديدة البرودة على مستوى العالم، فهى الشلالات الدولية بولاية مينيسوتا، وبلدة فريزر بولاية كولورادو، ومدينة بارو بولاية الاسكا، بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وتليهما دولة فنلندا بأوروبا.