إن لم يكن هدف التنمية الإنسان فما قيمة التنمية؟.. بهذه الكلمات المهمة بدأ المؤتمر الدولى المهم بعنوان "الثقافة والتنمية المستدامة"، الذى عقده المجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا المصرية واستمر لمدة ثلاثة أيام وشارك فيه عدد كبير من المثقفين المصريين والعرب، وفى ظل تنافس السوق وضجيج المعلومات والإعلام الذي غالبا ما ينسى أن هدف الإنسان وثقافته لا التسويق، جاء هذا المؤتمر فى لحظة فارقة من تاريخ مصر. ومنذ أن قال بروتاغوراث الشهير في القرن الخامس قبل الميلاد "يجب أن يظل الإنسان مقياس جميع الأشياء" وهذا ما أكدته الأديان السماوية والمرجعيات الإنسانية الكبرى. والتفتت التنمية أخيرا إلى الإنسان وبناء ثقافته على قيم كونية تعيد له مركزيته وأهميته بوصفه الهدف والمنطلق ويجب ألا ننسى دور وسائل الإعلام في تنمية الثقافة وبناء الإنسان في عصر رقمي متسارع إعلاميا وسريع التغير، حيث أكد د. سعيد المصرى، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، خلال مؤتمر الثقافة والتنمية المستدامة أن الثقافة ووعي الإنسان في التنمية ودفعها قدما على أسس ثقافية وإنسانية أخلاقية بين جائحة الأخبار الكاذبة وصراع الإيديولوجيات التي تعرف كيف تستغل وسائل الإعلام للربح والتسويق والتجييش والتعبئة مرورا بالبرامج الثقافية التنموية التي تساعد الإنسان على فهم عالمه وواقعه بشكل أفضل. والواقع يقول إنه بعد الفشل الكبير الذي منيت به كثير من النماذج التنموية في العديد من بلدان العالم تنبه المختصون إلى أن إهمال البعد الثقافي كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك الفشل، ومن هنا ظهر نموذج تنموي جديد يجعل من الإنسان حجر الأساس لكل عملية تنموية ويأخذ بعين الاعتبار العوامل الإنسانية والثقافية جنبا إلى جنب مع العوامل الاقتصادية والاجتماعية ويراعى مستقبل الأجيال القادمة تماما كما يستلهم تراث الأجيال الماضية. وقد تبنت الأممالمتحدة هذا النموذج تحت اسم "التنمية المستدامة" وانخرطت كل الدول في العمل به وتطبيقه من خلال مجموعة من الرؤى الإستراتيجية التي تمتد على مدى عشرات السنوات. من جهة أخرى أدت الثورة الرقمية التي ازدادت وتيرتها مع بداية الألفية الجديدة إلى ظهور الثقافة الرقمية ومجتمع المعرفة، مما أدى إلى ما أسماه "مانويل كاستلز" ب"الرأسمالية الثقافية" التي تنتقل فيها المجتمعات من الاعتماد على إنتاج السلع العينية إلى الاعتماد على الصناعات الثقافية. وطرح المؤتمر عدة تساؤلات ما هى العلاقة بين الثقافة الرقمية ومجتمع المعرفة من جهة وبناء الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة أما التساؤل التالي فهو كيف تسهم تنمية الصناعات الثقافية الرقمية المستدامة في مجتمع المعرفة في بناء الإنسان القادر على النهوض بحياته ومجتمعه؟. فى الحقيقة اذا استطعنا الإجابة على هذه التساؤلات فإننا نستطيع بذلك أن نحقق التنمية المنشودة، والتى تساهم بدورها فى تحقيق النهضة للبلاد. يجب أن تعود لمصر ريادتها وبخاصة القوى الناعمة لها من حيث عودة الصناعات الثقافية التى كانت تمتاز بها على مر العصور سواء كتب أو إنتاج ثقافى أو أفلام أو مسلسلات تنموية. "من أوضح دروس التاريخ أن الحقوق لا تمنح بل تكتسب".. نعوم تشومسكى. [email protected] لمزيد من مقالات د.سامية أبو النصر