تظل (الخلافات) هامشًا في واقع صفحةِ (بهية)، تتصارع أسبابُها لتحتل مساحة أكبر من صفحة الحياة القديمة المتجددة، غير أن (بهية) التي فُطِرَتْ على أن تخبز للحياة خبزها، سُرعان ما تُعالج أسباب الخلاف لتصد زيف أحرفهِ بأصالة أحرفٍ لقيماتها ثورةٌ على كلِ موات. ويظل للخلاف في عمرِ (بهية) مواسم، تنشط فيها أحرفٌه مُسْتَهْدِفةً بوعيٍ أو بغير وعي صرف الانتباه عن صفحة بهية متجدِدةْ البهاء، إلى هامِشٍ فُرْقَةٍ متجدِدْ الإلهاء. وحيث إننا في عصر السماوات المفتوحات عبر فضائيات القنوات وإلكترونيّ الشبكات، فإن أدوات صياغة وعي (الخلاف) غدت أكثر تطورًا وسرعةً وشيوعاً، الأمر الذي جعل (إعلام) عصرنا ضالعاً في صياغة الهامش اختلافًا ومنصرفًا عن تطوير متون الحياة المطمورة على صفحة (بهية). وتُظِلُنا سُحب الذكرى لتُمْطرَنا بغيثٍ وطني طاهر القطرات مُطّهِّرٌ لأدران الفُرْقَةِ والخلافات، غير أن هناك من يأبى أن يسري غيث الذكرى غوثًا لعقول عوامٍ أرهقها شيوع خطاب الخلاف، وأثقلَ وعيها بأحمالٍ تنوء بحملها قلوبٌ جُبِلَتْ على حب (مصر) دونما بحثٍ عن أسباب، فما أن تهل سحب يناير من كلِ عام حتى ينقسم صُنَّاعُ الوعي إلى فريقين، ولأنهم يصيغون رسالتهم الإعلامية بأدوات الامتلاك والبيعة لا المسئولية الوطنية، فإن كل مواطنٍ مُجَردْ يجد نفسه في مواجهة اختيار بين مصر التي تحتفلُ بالخامس والعشرين من يناير باعتباره (عيد الشرطة المصرية)، و مصر التي تُدَوِّنُ ذات التاريخ واصفة إياه بأنه (عيد ثورة 25 يناير )، وأمام هكذا اختيارٌ يمكن تفهم انحيازات أصحاب المكاسب والمناصب والأيديولوجيات والبَيْعَاتْ والأجندات، ولكن يبقى السواد الأعظم من أبناء (بهية) على صفحتها الخالصة لا تَعْنيهم الحسابات السابقة ولا تُعييهم توجهاتها، لأنهم أمام تاريخ وطنهم سجلوا على صفحتها الخامس والعشرين من يناير مرتين، الأولى في يناير 1952م، حين قرر أبناء بهية أن يواجهوا صلف المحتل الذي كانت تُوَصفُ دولته بأنها (الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، يومها أراد الشعب أن يسطر على صفحة بهية مشهد عشقٍ خالص، أعلنت الحكومة عن فتح مكاتب لتسجيل أسماء عمال المعسكرات الراغبين في ترك عملهم مساهمة في الكفاح الوطني، لاحظوا أننا نتحدث عن قوت شعبٍ جائع ورغم ذلك سجل (91572) عاملاً أسماءهم وتوقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة (80) ثمانين ألف جندي وضابط بريطاني، وكان رد المُحتل عبر استدعاء القائد البريطاني بمنطقة القناة (البريجادير أكسهام) لضابط الاتصال المصري ومطالبته بأن تسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها وتنسحب للقاهرة، ورفضت المحافظة طلب المحتل ومِثلُها كان موقف وزير الداخلية (فؤاد باشا سراج الدين) الذي طالب رجاله بالصمود، وهو ما تجلى في مقاومة رجال شرطة الإسماعيلية لكامل أسلحة جيش الاحتلال البريطاني الذين مثلهم سبعة آلاف جندي مدججين بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، بينما لم يزد عدد رجال الشرطة عن (880)، وفي 26 يناير 1952 خرجت عناوين (الأهرام) معلنة (استشهاد 64 جندياً وضابطًا مصريًا وإصابة 200 وأسر 1000)، في هذا اليوم ترجم رجال الشرطة المصرية عشق عامة المصريين لبهية، اختصروا المحبة في لحظة صمود قررت بهية أن تُخلدها عيدًا مصريًا لكل من يبحث عن ثورة انتصار للحياة. ثم كان أن مرت قرابة ستة عقود، طوت عوامل الزمن ما كان من لحظة محبة خالصة في الإسماعيلية، وراحت أيادي الفساد والإفساد تُعْمِل أدواتها على صفحة بهية خلافًا لا يُتيح لمحبيها اصطفافًا، وحين ضاق متن الأصل حياة بهامش الخلاف موات، جأرت الحناجر المصرية الخالصة (عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية)، استحضر كل من أخلص حبًا لبهية عِشقها الذي أعلنه المصري رفضًا للعمل مع المحتل عام 1952، وترجمه المصري صمودًا بسلاح الشرطة في مواجهة عتاد جيش الإمبراطورية العظمى، وكانت لحظة التجلى حين تدفقت الملايين إلى شوارع مصر ثائرة وحارسة ورافضة كل أسر لإدارتها أوكسرٍ لإرادتها، كانت بهية في حضرة المحبة الشعبية حاضرةً وكان محبوها دراويشًا لا يضيع بهم وطن ولا يشقى معهم جليس ولا تَعْرى بهم إدارة. في الخامس والعشرين من يناير تتجلى بهية على عشاقها لتقول لهم ذهب المحتل الإنجليزي وبقيَ وطنُ من ثار رفضًا لقوتٍ لقيماتُهْ من صحن مَنْ سَلبْ، ومن ثار رافضًا تسليم سلاحهِ لمنْ ظن أنه بعتاده غَلبْ، ثم ذهب من فَسَدَ وبقي وَطنُ من ثار رفضًا لقوتٍ لقيماته من صحن منْ أفسد، ومن ثار رفضًا لأن يكون سلاحه حارس ملكٍ لا راعي حمى وطن، إنه عيدٌ متَجَدِدْ خميرته (بهية) القادرة على أن تحفظ خميرة ثورتها حياة كلما حام حول حِمانا المتربصون وما أكثرهم. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى