كلاسيكيات الفلسفة، سلسلة جديدة للدار العربية للكتاب. رأيت منها كتابين. الأول: جمهورية أفلاطون. نقله للعربية حنا خباز. وثانيها: فيلسوف العرب والمعلم الثانى. للشيخ الدكتور مصطفى عبد الرازق. يشرف عليها الدكتور مصطفى النشار. قررت البدء بكتاب مصطفى عبد الرازق. وإعادة نشره من جديد. والرجل لم يعرف لنا بغزارة نتاجه الفلسفى، ولا كتاباته. بقدر ما جرينا وراء مواقفه التى أعجبنا بها. تنطلق السلسلة من فرضية أن نهاية القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين شهدت نهضة فكرية. قام عليها أساتذة أجلاء ومفكرون عظماء. شقوا وأضاءوا طريق الفكر الفلسفى للمصريين. بما كتبوا من مؤلفات وما ترجموا من مترجمات. ويقرر الدكتور النشار أن الكثير من هذه المؤلفات والمترجمات لم يتم تجاوزها حتى الآن. رغم العديد من الأجيال التى تلت الرواد الأوائل الذين شكلوا عقل الأمة وأناروا طريقها للتقدم. لا أضيف جديداً عندما أتحدث عن أهمية الفكر الفلسفى بالنسبة لنا. لكن صاحب المقدمة يقول: إنه فى ظل غياب المنهج الفلسفى للتفكير فى حياتنا المعاصرة مما كان السبب المباشر لما نراه من تطرف وتعصب وجمود وعدم التقبل للآخر. وفقدان القدرة على التحليل. وغياب نقد الأفكار. ربما أوصلنا إلى الواقع الذى نعيشه الآن. قراءتى للكتاب ستختلف عن قراءة الدكتور مصطفى النشار، فى كثير من الأمور. وقد أضيف له ما أتصور أنه أغفله. مع أنه ربما قصد الإغفال وتعمده. لأنه يرى ويكتب من أرضية غير أرضيتى. أرضية الباحث الفلسفى والمفكر الرصين. فى حين أننى أتعامل مع الدنيا من أرضية إنسان يعانق الخيال الإنسانى، ويحاول أن يقبض على لحظات تسعد الناس منه. عندما كتب عن مصطفى عبد الرازق 1885 1974 ذكر والده الشيخ حسن عبد الرازق، الذى كان شخصية سياسية واجتماعية مؤثرة فى عصره. ويكتب عن تاريخه وما قام به. لكنه يغفل الكلام عن شقيقه الشيخ على عبد الرازق. 1887 1966. ولم أفهم سر هذا التجاهل أو الإغفال. فإن كان الشقيق الأكبر الشيخ مصطفى، قد اشتغل بأمور الدنيا والدين. فإن على عبد الرازق، الشقيق الأصغر صاحب الكتاب المهم: الإسلام وأصول الحكم. الذى كان صدوره فى عشرينيات القرن الماضى ومصادرته ومحاكمته بسبب تأليف الكتاب وفصله من وظيفته حدثاً مهماً يدخل فى سياق ما قام به الشقيق الأكبر. وإن كان هناك اختلاف بين اجتهاد الشقيقين. لا أريد الاستطراد فى الكتابة عن معركة الإسلام وأصول الحكم 1925، لأننى أكتب عن مصطفى عبد الرازق، لكن الكتاب الذى صودر سنوات طويلة. ولم تعد طباعته إلا أخيرا. ولا أعرف هل ألغى قرار مصادرته القديم أم ما زال سارى المفعول؟ هذا الكتاب يمثل تاريخاً فاصلاً فى النظر لفكرة الدولة كما وردت فى الإسلام. ما أغفله صاحب التقديم بالنسبة لعلى عبد الرازق، أتبعه بأمرين أراهما من وجهة نظرى مهمين. وهو ربما اعتبرهما خارج إطار تقديمه المختصر لكتاب مصطفى عبد الرازق. لكنها كانت فرصة لتذكير الأجيال الجديدة بجوانب مضيئة من تاريخنا الفكرى واجتهادنا الإنسانى فى سنوات بعيدة. مصطفى عبد الرازق، هو الذى درَّس مادة الفلسفة لنجيب محفوظ، فى جامعة فؤاد الأول، القاهرة الآن. وبعد تخرجه وبعد أن فشل حلم نجيب محفوظ، للسفر فى بعثة لفرنسا لدراسة الفلسفة. عينه مصطفى عبد الرازق، مندوباً برلمانياً لوزارة الأوقاف بعد أن أصبح وزيراً لها. وقام نجيب محفوظ، بهذا العمل سنوات. بعد وفاة الشيخ مصطفى، تولى على عبد الرازق، وزارة الأوقاف وأبقى على نجيب محفوظ فى نفس العمل. وحاول الوقوف معه فى مشكلة إدارية. ولكنه لم يستطع حلها له. للشيخ مصطفى، دور مهم فى سنوات أم كلثوم، الأولى. عندما جاءت من قريتها طماى الزهايرة. لتجرب صوتها فى الواقع الفنى. وقف بجوارها، بل وساعدها هى وأسرتها فى الحصول على مسكن فى حى عابدين. وقدم لها كل ما يستطيع أن يقدمه شيخ جليل لمطربة شابة. صحيح أنها كانت تنشد أغانى دينية. لكنه وقف مع صوتها الذى اعتبره ثروة من الثروات الكبرى التى تخص مصر ولا تخصها وحدها. ذكرت الواقعتين ليس من باب التزيد ولا الهروب إلى موضوعات جانبية. لأن فى كتاب الشيخ مصطفى، الذى أعيد نشره حديثاً فصلاً عن المتنبى. ويجب ألا ننسى أن الشيخ فى عام 1945، شكل آخر المنعطفات المهمة فى حياته عندما عين شيخاً للأزهر. وهو أرفع منصب فى مصر والعالم الإسلامى. ويومها تنازل عن لقب الباشوية الذى لا يلائم هذا المنصب الخطير. وقد احتفت الأوساط الثقافية والدينية الإسلامية والمسيحية باختياره لهذا المنصب. حيث توقع الجميع تطور الدراسة الأزهرية على يديه. من الطبيعى إذن لمن كان أول أستاذ للفلسفة الإسلامية فى الجامعات المصرية. وشيخ الأزهر فيما بعد. أن يضمن كتاباً من كتبه فصلاً عن أبو الطيب المتنبى. وقبل الدخول إلى فصل المتنبى، فإن الكتاب يدور حول فيلسوف العرب الكندى، والمعلم الثانى الفارابى، وبطليموس العرب ابن الهيثم، وشيخ المجددين فى الإسلام ابن تيمية الفيلسوف. والمتنبى من الشعراء العرب القدامى الذى أثار وما زال يثير العديد من الجدل والمناقشات هناك من يقبله وهناك من يرفضه. وإن كان صاحب الكتاب يراه فيلسوفا. لما يستعمل فى شعره من ألفاظ المناطقة والفلاسفة والمتصوفة والمتكلمين. بل ذكر فى شعره أرسطاطاليس، وبطليموس، وجالينوس، وبقراط. ليس غريباً على الرجل الذى ختم حياته وهو يرعى روائيا ثبت فيما بعد أنه أحد مؤسسى السرد العربى الحديث. ومطربة قال الكل عنها: كوكب الشرق. ويقف معهما ويقدم لهما الدعم. إنها صورة لعالم جليل انطلق من دراسة الدين. بل وصل إلى مشيخة الأزهر. ومع ذلك كانت له اهتماماته الأدبية الصرفة التى ربما لا يهتم بها إلا ناقد أدبى متخصص. هل أقول إننا الآن فى أمس الحاجة لاختراق المسافة المصطنعة بين تجليات الفن والأدب وروح الإسلام؟ من الجمل الباقية التى قرأتها فى الكتاب عبارة لأبى بكر الصديق: فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة. لمزيد من مقالات يوسف القعيد