كأنى دخلت معرض بورتريهات شخصية رسمها الفنان بمداد العواطف والأحاسيس وليس بالألوان الزيتية، معرض يجمع أسماء الشخصيات التى شيدت هذا الصرح العظيم الذى يسميه مصطفى سامى «أهرام القرن ال21»، وهو الوصف الذى أطلقه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل على المبنى الحديث للجريدة بشارع الجلاء.. هذا هو الإحساس الذى داخلنى وأنا أطالع ذلك الكتاب الجميل الذى صدر حديثا عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، والذى وضع فيه مصطفى سامى ذكرياته عن فترة نصف القرن التى أمضاها بين زملائه فى بيته الثانى كما يسميه، محررا بقسم الأبحاث ثم سكرتيرا للتحرير وأخيرا مراسلا للأهرام فى فرنسا ثم كندا. إن كتاب «أهرام القرن ال21» ليس كغيره من الكتب، فهو وإن كان يقدم تاريخ الأهرام منذ انتقل الى مبناها الحديث، إلا أنه ليس كتابا فى التاريخ يرصد تطور الأحداث منذ عام 1968 حين تم افتتاح المبنى الجديد للأهرام، وإنما هو يقدم للقارىء البشر وليس الحجر، الذين قام عليهم هذا الصرح الصحفى الكبير. لقد كان مبنى هيكل كما أصبح اسمه الآن، هو أكثر المقار الصحفية حداثة وقت افتتاحه بعد مبنى جريدة أساهى اليابانية، ومازلت أذكر كيف كان كبار الضيوف الأجانب ومراسلو الصحف العالمية يأتون الى الأهرام لمشاهدة مقره الذى بنى على أحدث الطرز، وكان فى الأهرام وقتها قسم للعلاقات العامة يضم المرشدين الذين يجيدون اللغات الثلاث الإنجليزية والفرنسية والعربية ويصحبون الزوار فى جولة بمختلف أقسام الجريدة، وقد كتب فى ذلك الكثير، سواء فى مصر أو فى الخارج، ولدى فى مكتبتى عدد من الكتب الأجنبية التى تتحدث عن الأهرام وصانع مجدها فى العصر الحديث الصحفى العربى الأشهر محمد حسنين هيكل. على أن كتاب مصطفى سامى لا يتحدث عن ذلك، فهو ينطلق من قناعة بأن الإنجازات الكبرى لا يصنعها شخص بمفرده وانما غالبا ما تكون نتاجا لعمل جماعى قد يقوده ويوجهه شخص بمفرده، لذلك فقد حاول فى هذا الكتاب تقديم الكفاءات الصحفية التى قام عليها هذا الإنجاز الصحفى الفذ، ورغم أن الكثيرين منهم قد أصبحوا الآن نجوما فى الوسط الصحفى أو الثقافى إلا أن بعضهم الآخر يكاد يكون غير معروف للقارىء العادى، وقد أفسح لهم مصطفى سامى فى كتابه مساحة لا تقل عن تلك التى يحتلها ذوو الأسماء المعروفة، فمن فى عالم اليوم يعرف فتحية بهيج التى كانت أول من أدخل باب المرأة فى الصحف اليومية؟ ومن يعرف نجيب كنعان أو توفيق بحرى أو ممدوح طه أو صلاح هلال أو كمال نجيب أو سلوى حبيب أو محمود أحمد أو فريد مجدى أو نوال المحلاوى أو الدكتور سامى منصور أو إحسان بكر أو فؤاد سعد؟ ولهم جميعا إنجازات أسهمت فى تطوير الصحافة المصرية. إن مصطفى سامى يقدم لنا إسهاماتهم، أو بمعنى أدق بورتريهاتهم، بحب وفهم عميقين ويرصد إنجاز كل منهم بنفس الاهتمام الذى يقدم به بورتريهات النجوم الساطعة مثل نجيب المستكاوى وجلال الدين الحمامصى وأحمد بهاء الدين وصلاح منتصر ومكرم محمد أحمد وإبراهيم نافع وعبد الوهاب مطاوع وكمال الملاخ وأحمد بهجت وسلامة أحمد سلامة وصلاح جاهين وعلى حمدى الجمال وعزت السعدنى ولطفى الخولى وفهمى هويدى وفاروق جويدة وسناء البيسى ومحمد سلماوى وغيرهم. ورغم المحبة التى تستشعرها فى حديث مصطفى سامى عن زملائه إلا أن ذلك لم يدفعه لتجميل صورتهم بما يخل بالحقيقة أو يزيفها، فقد تحدث عن الإيجابيات والسلبيات على حد سواء، فالبورتريه لا يعتمد على الضوء وحده لأن الظلال هى التى تمنحه البعد الثالث وإلا جاءت اللوحة مسطحة لا عمق فيها، والبورتريه لا يرسم بالألوان الفاتحة وحدها وإنما بالداكنة أيضا، وللفنان الفرنسى الشهير جوستاف مورو مقولة بأن الفنان لا يمكن أن يرسم بورتريها لشخص إلا إذا أحبه، وقد أحب مصطفى سامى كل زملائه، حتى من أسدوا إليه بعض الضربات التى تشعر بأنه يسردها فى الكتاب بغرض التسجيل فقط وليس بغرض الانتقام، فالقاريء لهذا الكتاب إن بحث بين صفحاته عن مشاعر الكراهية أو الحقد فلن يجدها، لأن شخصية مصطفى سامى لا تعرف تلك المشاعر، وهو يدعى الموضوعية فى كتابته لكنه فى الحقيقة يميل إلى التعاطف مع شخصيات كتابه، فينتهى القاريء من الكتاب وقد أحبهم جميعا. وقد يلاحظ القاريء أن الشخصيات التى ذكرتها والتى يضمها معرض بورتريهات مصطفى سامى ليس من بينها اسم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فليس هناك فصل فى الكتاب باسمه، لكنك تكاد تجده حاضرا فى كل صفحة من صفحات الكتاب، فهو القائد الذى قاد تلك الكتيبة التى يقول مصطفى سامى إنها صنعت مجد الأهرام، ورؤيتها المستقبلية الفذة والنادرة، هى التى وجهت العاملين بالأهرام صوب القرن ال21، وهو الذى جعل الانتقال من شارع مظلوم بباب اللوق إلى شارع الجلاء طفرة مهمة فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية، فأصبحت الأهرام على يديه وبشهادة مراكز البحث الدولية واحدة من أهم عشر صحف فى العالم، ومع ذلك فمصطفى سامى لا يتردد فى ذكر ما يرى أنها جوانب سلبية فى شخصية هيكل الذى لا يذكر اسمه إلا مسبوقا بلقب الأستاذ، وقد فعل مصطفى سامى نفس الشيء مع إبراهيم نافع وبعض من تولوا إدارة الأهرام من بعده. ورغم ثراء الشخصيات التى يقدمها كتاب «أهرام القرن ال21 » والتى تلتقى لأول مرة فى كتاب واحد، فإن أهم ما يقدمه مصطفى سامى فى كتابه هو روح المحبة التى يتصف بها، والتى سادت بين العاملين فى الأهرام خلال فترة نصف القرن التى يتحدث عنها، والتى أصبحنا الآن نفتقدها بشدة بين العاملين فى صحفنا. لمزيد من مقالات محمد سلماوى