* رفع مستوى العلاقة بين القاهرة وسول إلى مشاركة إستراتيجية شاملة وتعاون فى جميع المجالات * البنية التحتية الذكية للاتصالات من أهم مجالات التعاون بين البلدين أكد سفير مصر لدى كوريا الجنوبية د. حازم فهمى أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لكوريا الجنوبية كانت علامة فارقة فى العلاقات بين البلدين، وكانت بمثابة إعادة اكتشاف لدولة آسيوية متقدمة وصديقة يمكن أن تكون من أهم الشركاء المهمين فى تلك المرحلة. وقال السفير فهمى فى لقاء خاص ل «الأهرام» جرى فى سول إنه تم رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة وتوقيع 17 اتفاقية للتعاون فى مجالات متعددة. وفيما يلى تفاصيل اللقاء :
هل يمكن تصنيف العلاقات بين كوريا الجنوبية ومصر إلى مرحلة ما قبل زيارة الرئيس السيسي، ومرحلة ما بعد الزيارة؟ نعم، يمكننا أن نصنفها على هذا الأساس، فقد اكتسبت زيارة الرئيس لكوريا فى مارس 2016 أهمية خاصة، وكانت علامة فارقة فى العلاقات بين البلدين لسببين : أولهما داخلي، وهو أن مصر بدأت عهدا جديدا بعد ثورتين شعبيتين كان أحد أهم ملامحه التأكيد على استقلال وحرية القرار الداخلى من خلال الانفتاح على كافة القوى الدولية الصديقة، والسبب الثانى أن مصر فى العهد الجديد وضعت نصب أعينها إعادة هيكلة البيت من الداخل من خلال برنامج طموح للإصلاح الاقتصادى ورفع كفاءة البنية التحتية بما يحقق الطموحات التنموية المرجوة، وكانت زيارة الرئيس لكوريا الجنوبية بمثابة إعادة اكتشاف لدولة آسيوية متقدمة وصديقة يمكنها أن تكون شريكا مهما فى تلك المرحلة، وتم رفع العلاقة بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة إبان الزيارة وتوقيع 17 اتفاقية للتعاون فى مجالات متعددة. هل يعنى ذلك استعادة زخم العلاقات بين الدولتين كما كنا فى الماضي؟ اكتسبت العلاقات زخما خاصا ومبشرا بعد الزيارة، إلا أنه حدثت فى الفترة الماضية تطورات داخلية مصيرية فى كوريا تخللتها ما يعرف ب«ثورة الشموع» وعزل رئيسة كوريا بارك كون هيه ابنة مؤسس كوريا الحديثة الجنرال بارك، وأدت تلك التطورات إلى تركيز كوريا اهتمامها على الداخل لفترة، وبعد انتخاب الرئيس الحالى مون جاى ين فى مايو 2017 بدأت العلاقات بين الدولتين تستعيد زخمها مرة أخرى. هل تم اتخاذ خطوات تنفيذية للاتفاقيات التى تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس؟ هناك العديد من الاتفاقيات الجارى تنفيذها بين الجانبين، وأهمها قيام كوريا بفتح خط ائتمان يقدر بحوالى ثلاثة مليارات دولار من خلال بنك التصدير والاستيراد الكورى لتمويل ودعم الشركات الكورية العاملة بمصر فى عدة مجالات أهمها النقل والبنية التحتية بالتنسيق مع وزارة التعاون الدولي، كما أبدت العديد من الشركات الكورية اهتماما كبيرا بالدخول إلى السوق المصرية، بجانب الشركات العاملة بالفعل ولديها مصانع تعمل بصورة ناجحة وتغطى منتجاتها السوق المصرية، إضافة إلى التصدير للخارج، كما تعمل شركة أخرى فى بناء أكبر مصفاة لتكرير البترول فى مصر بتكلفة تقديرية 3٫7 مليار دولار، وسوف تنتج نصف الديزل الذى تستهلكه مصر، وينتظر افتتاحها خلال عام 2019. وبالنسبة لتكنولوجيا الاتصالات، ما أوجه استفادة مصر من هذا الجانب؟ تم فى هذا السياق مؤخرا توقيع اتفاق إطارى بين شركة كورية وأخرى مصرية وهيئة قناة السويس لتصميم وبناء البنية التحتية الذكية للاتصالات للمنطقة الاقتصادية للقناة، إلى جانب الاتفاق على نقل تكنولوجيا «جيجا واير» الكورية العملاقة للبنية التحتية للاتصالات بمصر، حيث يتم حاليا تطبيق تلك التكنولوجيا على الكابلات النحاسية للتليفونات التى تقاوم سرعة الإنترنت، وسوف يتم العمل بها تدريجيا بدءا من 2019، وهو ما سيرفع من كفاءة وسرعة الإنترنت بمصر، حيث من المقرر أن تصل إلى مائتى ضعف السرعة الحالية، وهو الأمر الذى من شأنه رفع مستوى الدخل القومى لمصر ما بين 1 إلى 3%. ما هى انعكاسات تغير السياسات الكورية داخليا بعد عزل الرئيسة السابقة وتولى مون رئاسة البلاد؟ تتمثل أهم معالم التغير فى السياسة الداخلية فى توجهات الحكومة الكورية فى التعامل مع الاقتصاد، حيث وضع الرئيس الكورى أولوية خاصة لتحقيق توازن أكبر فى توزيع الثروة، نظرا لأن كوريا الجنوبية كانت من أسوأ الدول المتقدمة فيما يتعلق بتوزيع الدخل وفقا للإحصائيات، لذلك قامت سياسة الرئيس الحالى على تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة والابتعاد عن الدعم الحكومى التقليدى للشركات العملاقة، على اعتبار أن تلك الشركات المتوسطة والصغيرة هى المولد الرئيسى للوظائف والابتكارات التكنولوجية الحديثة. وهل ظهرت نتائج لهذه السياسات الجديدة؟ لقد صاحبت السياسات الجديدة عددا من الإجراءات الأخرى مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتخفيف بعض القيود البيروقراطية فى الرقابة على الاختراعات وعملية تطوير التكنولوجيات الحديثة، إلا أن تلك الإجراءات لم تثمر بعد عن المستهدف منها، وهو الأمر الذى يمثل تحديا داخليا كبيرا لإدارة الرئيس مون. وماذا عن علاقاته الخارجية؟ فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تولى الرئيس مون الرئاسة فى ظل أوضاع سياسية متوترة للغاية مع الجارة الشمالية جعلت الدولتين على حافة حرب حقيقية، بعد أن حققت كوريا الشمالية نقلة نوعية فى قدراتها العسكرية من خلال عدة تجارب لتفجيرات نووية وصواريخ باليستية، مما أدى إلى رفع درجات التوتر بصورة كبيرة على شبه الجزيرة الكورية، وتعدى التوتر محيط الكوريتين إلى النطاقين الإقليمى والدولي، حيث تداولت الإدارة الأمريكية مسألة القيام بعملية عسكرية محدودة ضد كوريا الشمالية فى إطار الخيارات المتاحة للتعامل مع الموقف. ولكن كيف نجح الرئيس الكورى الجنوبى فى التهدئة مع الجار الشمالي؟ تحدى الرئيس مون كل معطيات الوضع القائم وتبنى سياسة تهدئة مع كوريا الشمالية مع محاولة استقطاب زعامة كوريا الشمالية نحو حوار بناء يكون من نتائجه نزع السلاح النووى من شبه الجزيرة الكورية وتحقيق السلام بين الكوريتين. وما هى نسب النجاح فى قضية نزع السلاح النووي؟ الطريق لا يزال طويلا أمام تحقيق السلام الشامل ونزع السلاح النووى لشبه الجزيرة الكورية، إلا أن رؤية وجهود الرئيس الكورى مون أدارت دفة التوتر والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية للكوريتين فى اتجاه إيجابى للغاية، وهو الأمر الذى رفع كثيرا من شعبية الرئيس الكورى فى بلاده. وبالنسبة لعلاقاته مع مصر؟ أعرب الرئيس مون فى هذا السياق عدة مرات عن تقدير كوريا الجنوبية للمواقف التى تبنتها مصر حيال الأزمة الكورية فى أثناء عضويتها فى مجلس الأمن عامى 2016-2017 من تأييد قرارات المجلس، فيما يتعلق بإدانة التجارب النووية والصاروخية وفرض عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية، لأن هذا الموقف القوى والمشرف لمصر أسهم فى استجابة كوريا الشمالية للضغوط الدولية والتعامل بإيجابية مع رؤية الرئيس الجنوبى نحو تحقيق السلام والاستقرار من خلال الحوار البناء. هل نتوقع زيارة قريبة للرئيس الكورى الجنوبى لمصر؟ التقى الرئيسان السيسى ومون بالفعل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك فى سبتمبر الماضى بناء على طلب الجانب الكوري، وكان الرئيس السيسى هو الرئيس العربى الوحيد الذى قابله الرئيس الكورى خلال لقاءاته بنيويورك، وتم خلال اللقاء إعادة توجيه الدعوة للرئيس الكورى لزيارة مصر، ورحب بتلبيتها فى الأجل القريب بما يتناسب مع ارتباطات الجانبين.