لم تعد استجابة كوريا الشمالية للتخلى عن برنامجها النووى وإنهاء التوتر العسكرى مع كوريا الجنوبية ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليها حلما بعيد المنال، بعد أن صرح وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو بأن الزعيم الكورى كيم جونج أون تفهم ضرورة نزع السلاح النووى ويريد تحقيق ذلك بسرعة . ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فى أن تخفيف العقوبات المفروضة على الشطر الكورى الشمالي، أو ربما رفعها نهائيا، لن يتأتى إلا بعد التحقق من وقف بيونج يانج تجاربها النووية وإغلاق كل مواقع أسلحتها الذرية، والفارق كبير بين التخلى تماما عن الأسلحة أو وقف إنتاجها مؤقتا. ومن أجل التعرف على الموقف عن قرب، نظم المركز الدولى للصحافة جولة صحفية فى كوريا الجنوبية بهدف إلقاء الضوء على التعاون الوثيق والتنسيق الأمنى بين الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية فى قضية نزع السلاح النووى من أجل السلام العالمى من ناحية، وإنهاء الأزمة بين الكوريتين من ناحية أخرى . فى البداية، أكد سيمون لى مسئول العلاقات الخارجية بالسفارة الأمريكية أن المكتب السياسى بالسفارة هو الجهة المنوط بها متابعة المباحثات وإرسال التقارير الدورية لواشنطن، فيما يتعلق بالتطورات الأمنية والاقتصادية وحقوق الإنسان فى كوريا الشمالية، بالتعاون مع الحكومة الجديدة فى كوريا الجنوبية، وقال إن الولاياتالمتحدة تعمل فى هذه القضية منذ فترة مع جميع الدول بما فيها مصر، وذلك حرصا على تشديد العقوبات على كوريا الشمالية للضغط عليها من أجل التخلى عن برنامجها النووي، لافتا إلى أن حكومة كوريا الجنوبية لم تتقدم بأى طلب من أجل تغيير نظامها الدفاعي، وذلك ردا على سؤال حول مزاعم البعض. ثم انتقلنا للحديث مع نيلز فان رئيس المكتب الاقتصادى بالسفارة الذى قال إنه يبحث حاليا فرص التعاون التجارى بين الكوريتين، إلا أن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية تضيق من فرص تعاون الجنوب خشية التأثير عليها. وقال أيضا إن الملف النووى على رأس أولويات أعمال السفارة، ويرى أن الدبلوماسية هى الحل الوحيد لهذه الأزمة، ولكنه متشكك فى نية الزعيم الكورى الشمالى التخلى عن برنامجه النووي، مؤكدا «نحن كدبلوماسيين لا نصدق ذلك، حيث إن كوريا الشمالية لديها تاريخ طويل فى التراجع عن وعودها .» ولكن يبدو أن للخارجية الكورية الجنوبية رأيا آخر فى نيات كيم، حيث قال كيم يونج المتخصص فى السياسة النووية لكوريا الشمالية إن المعيار الوحيد للتأكد من تخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووى هو تقارير المفتشين الدوليين، مؤكدا فى هذا السياق أن رئيس كوريا الشمالية ربما يبدو للعالم أنه صاحب قرارات غريبة، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، وأنه عندما يعد بوقف برنامجه النووى فهو حتما سينفذ وعوده التى قطعها على نفسه أمام ترامب بل وأمام العالم أجمع. وبالنسبة للوضع الحالي، قال إن الفجوة كبيرة بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة وباقى دول العالم من جراء السياسات التى انتهجتها بيونج يانج فى السابق، وهو ما يقتضى أن تعمل جاهدة على الالتزام بكل التعهدات حتى يتم رفع العقوبات عنها نهائيا، وذلك يحتاج لخطوات ملموسة على أرض الواقع لإثبات حسن نياتها. كما صرحت أيضا لى يون يو المسئولة عن الشئون الداخلية بين الكوريتين بوزارة الخارجية الكورية الجنوبية بأن تعاونا كاملا سيبدأ مع كوريا الشمالية فور تخليها عن برنامجها النووي، وسوف يشمل كل المجالات، وستوجد خريطة اقتصادية جديدة وفقا لرؤية بعيدة المدى للتنمية فى الساحل الغربي، وأضافت : «لدينا الكثير من المشاريع التى سنعمل على تنفيذها لتنمية الموارد الطبيعية ومجالات البنية التحتية والسياحة»، لافتة إلى أن هذه الوحدة سيكون لها مردود ايجابى كبير فى شبه الجزيرة الكورية مما يجعلها أكثر قوة على جميع الأصعدة، وأن إعادة بناء العلاقات من جديد بين الكوريتين تحتاج إلى كثير من العمل والجهد، ولا سيما فى مجال اللغة، حيث ظهر الكثير من المصطلحات خلال هذه الفترة، وهو ما يحتاج إلى إعادة اتفاق على كود موحد للغة. ومن الخارجية إلى وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، حيث تم عرض ملخص لسياسة وزارة الدفاع الكورية خلال فترة ولاية الرئيس الحالى مون جاى ين ورغبته الملحة فى استقرار شبه الجزيرة الكورية . وردا على سؤال وجهته «الأهرام» للمتحدث باسم وزارة الدفاع الكورية حول إمكانية توحيد الكوريتين، قال «هناك دراسات مهمة للكثير من الوثائق الألمانية الخاصة بإعادة التوحيد «، ولكن هذا الأمر سابق لأوانه، كما أنه فى النهاية ستكون للكوريين رؤيتهم الخاصة، فنحن لا نريد ابتلاع المؤسسات الشمالية، ولكن نريد التعاون معها لأجل مصلحة الشعبين»، وقال المتحدث أيضا إن بلاده لم تسع لتطوير برنامجها النووى خلال الفترات السابقة لتمتعها بالمظلة الأمريكية النووية منذ عام 1978. أما المفكر لى جى سو أستاذ التاريخ السياسى فى شئون كوريا الشمالية بجامعة ميونج تشى بكوريا الجنوبية، فقد رأى أن مسألة نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية تحولت إلى لعبة سياسية بين كيم ونظيره الأمريكى دونالد ترامب، ويفسر ذلك بأن الرئيس الكورى الشمالى صاحب ال35 عاما بحسب تعبيره - لا يزال يعيش فى الماضى ويعتبر الأسلحة النووية جزءا لا يتجزأ من شرعية نظامه وقوته. ويقول لى : «الرئيس كيم يسعى لكسب الوقت فقط، نظرا للشرط الذى وضعه الرئيس ترامب له، وهو أن رفع العقوبات عن كوريا الشمالية مرهون بوقف برنامجه النووي، فى حين أن كيم شخصيا غير جاد فى هذا الأمر.» ويظل السؤال الذى سوف تجيب عنه الأيام المقبلة مطروحا ، وهو : «هل الرئيس الكورى الشمالى صادق حقا فى التخلى عن برنامجه النووي؟ أم أنه ينوى إيقافه فقط ليبدأ بعدها جولة من المفاوضات مع الولاياتالمتحدة من موقع قوة للحصول على مكاسب سياسية أهمها بقاء أسرته الحاكمة الأبدية لكوريا الشمالية؟ وهل زيارته المرتقبة كوريا الجنوبية ستكون نقطة بداية للتقارب بين الكوريتين ومرحلة جديدة من البناء والتنمية بعد 70 عاما من القطيعة؟ أم أنها سوف تتعثر من الأساس بعد أن تم تأجيل قمة ترامب - كيم لبداية العام المقبل؟