مصطفى سامى خبرة صحفية عريضة ومتنوعة امتدت لأكثر من 50 سنة فى الأهرام، بدأت بتعيينه فى قسم الأبحاث عام 1957تحت رئاسة الأستاذ أحمد بهجت ثم مديرا لتحرير مجلة الطليعة مع الأستاذ لطفى الخولي، ثم رئاسته قسم الإخراج الفنى بما فيه من كنز أسرار انتاج الصحيفة، واختاره الأستاذ إبراهيم نافع مراسلا للأهرام فى باريس ثم كندا لمدة زادت على 17 سنة وبعدها عاد إلى الدسك المركزى قبل أن يتفرغ فى مرحلة الشباب الثانى لوضع خلاصة تجربته فى كتابين سجل فيهما رؤيته الصحفية، الأول, عن أمريكا وحقوق الإنسان عكس انفتاحه على الثقافة العالمية وفضح فيه أكذوبة أمريكا عن حقوق الإنسان بشهادات عشرين كاتبا من أهلها، أما الكتاب الثانى فهو أهرام القرن ال21 ذكريات خمسين عاما، وضع فيه خلاصة اهتمامه وحرصه على أن يكشف للأجيال الجديدة شهادات صادقة وحية من الذاكرة على عصرالأستاذ هيكل ونجومه الزاهرة، وعكس الكتاب الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر شخصية مصطفى سامى وعواطفه وانفعالاته وأسلوبه الأنيق والمؤدب فى التعبير عن غضبه وحنينه للأشخاص والأماكن، فجاء كتابه سجلا للتاريخ الإنسانى لمهنة الصحافة. ومن حيث أراد مصطفى سامى أن تكون الصورة بلا رتوش وجه انتقادا مبطنا لتأميم الصحافة الذى حول الأهرام من ملكية أسرة تقلا إلى ملكية رئيس التحرير، بسبب قانون تنظيم الصحافة عام 1961 ، كما أدى انشغال الأستاذ هيكل بعلاقته بالرئيس عبد الناصر، وبكتاباته وبطموحاته وبمصادره وبمتابعة ما يجرى فى الداخل والخارج إلى وقوعه فى عزلة وعهد إلى مديرة مكتبه نوال المحلاوي, رغم أمانتها المطلقة وكفاءتها وإخلاصها, للقيام بمتابعة الصحفيين بكل تخصصاتهم، لكن المؤلف دافع عن هذه العزلة ووجد أنها الثمن الذى دفعه الأستاذ الحريص على أن تظل صحيفته هى الأكثر نجاحا وتوزيعا وأن تبقى علاقته جيدة مع رئيس الجمهورية، وهذه المعادلة جعلت الأستاذ هيكل وبحق أستاذ الأساتذة فى الصحافة، انتقل بها من صحيفة الأسرة بعلاقاتها الحميمية إلى صحيفة المؤسسة بقواعدها الصارمة ..ومن مبنى مظلوم من دورين إلى مبنى عملاق من 12 طابقا بشارع الجلاء، ومن صحيفة تصارع الهبوط إلى واحدة من أهم عشر صحف فى العالم! لكن رئيس التحرير الذى وصفه المؤلف بالمعزول عن الصحفيين أسس مدرسة فى الإدارة جعلت من المؤسسة أسرة واحدة ويرتبطون بعلاقات عمل سوية، فى الأفراح والملمات، ويسرد حكايات تزوج فيها الزميل المسيحى من زميلته المسلمة ويشهر من أجلها إسلامه، ويتخذ فيها المسلم زميلته المسيحية شريكة حياته بعد قصة حب لا تعترف بالديانة وقوامها صلة الدم الاهرامي، وفى هذا الجو أتاحت مؤسسة الرجل الواحد الفرصة عريضة للجيل الجديد وكانت أعمارهم تدور حول ال45 سنة، وفى الوقت نفسه ظل الصحفيون القدامى فى مواقعهم محل احترام الجيل الجديد. حكايات وأسرار رصدها مصطفى سامى فى كتابه الذى يعد سجلا للتاريخ الإنسانى لممارسى المهنة الذى لا يعرفه القراء كما أجرى مصارحة ومصالحة بين الأجيال، القدامى قبل هيكل وبين مجموعة الستة الكبار الذين اصطحبهم الأستاذ معه عام 1957. أمثال هشام توفيق بحرى فى الإنتاج وعلاقات العمل العصرية، وصلاح منتصر فى التقارير والرأى وصلاح هلال عبقرى التحقيقات وصلاح جلال فى الصحافة العلمية وممدوح طه فى التغطية المحلية ومحمد حقى فى الاخبار الخارجية وكمال الملاخ الذى أحدث انقلابا أبيض على الأستاذ فى الصفحة الأخيرة وفى الصحافة الفنية وآمال بكير فى المسرح وسناء البيسى فى الكتابة الرشيقة عن المجتمع والأسرة والفنان الشامل صلاح جاهين .. وطبيب القلوب عبد الوهاب مطاوع وغيرهم! لكن احترام مصطفى سامى للأستاذ والاعتراف بفضله على وضع أسس الحفاظ على المهنة فى مصر وانطلاق الأهرام بقوة نحو القرن الحادى والعشرين لم يمنعه من اتهامه بأنه كان عنيفا فى ترويج إشاعة اتهام الرئيس السادات بقتل عبد الناصر بفنجان القهوة، والحقيقة أن هيكل نفسه نفى هذا الاتهام فى مذكرة رسمية كتبها للنائب العام!. صك مصطفى سامى العديد من المفاهيم التى أعجبتنى منها الرقابة بالحذف والرقابة بالإضافة، فالأولى كانت فى عهد عبد الناصر حين كان الرقيب يجلس فى صالة التحرير ويحذف ما يراه غير مناسب، أما الرقابة بالإضافة أو الإتاحة فكانت فى عهد الرئيس السادات حين تحكم الرقيب من المنبع وصار يرسل الأخبار لكى ننشرها، والتى يراها تساند نظامه وتساند سياسته، ويحدد مكانها فى الصفحة الأولى أو الصفحات الداخلية، أما سنوات حكم الرئيس مبارك فقد كانت الأسوأ وانعكست عليها كل أخطاء العصر، وتحولت الصحافة الى اداة للفساد الاقتصادى والاستبداد السياسى وتاهت بوصلتها فى عصر تزاوج المال والسلطة. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف