تناولنا فى المقال السابق الإطار العام الحاكم للملكية العامة والأسباب الرئيسية لتدنى العائد عليها، وتبرز هذه المسألة بشدة فى موضوع المناجم والمحاجر الذى يعد من الموضوعات المهمة خاصة فى هذه المرحلة التى تحتاج فيها البلاد إلى بذل جميع الجهود لتعظيم الاستفادة من الثروات الطبيعية التى حبا بها الله مصرنا العزيزة، إذ إن الصحراء التى تشكل نحو 94% من مساحة الدولة تتمتع بثروات معدنية كثيرة ومتعددة ولها مميزات نسبية من حيث الوفرة والجودة سواء تمثل ذلك فى الذهب والفضة والحديد والمنجنيز والفوسفات، او الرمال السوداء والرمال البيضاء عالية الجودة والعديد من الخامات الأخرى التى تدخل فى معظم الصناعات التكنولوجية والكيمياوية والحرارية ومواد البناء الخ لذلك فإن حسن استغلال هذه الموارد يعظم العائد منها بزيادة القيمة المضافة ويدعم الموازنة ويحفظ حق الأجيال القادمة، فضلا عن ذلك فإنه يسهم فى إيجاد مناطق صناعية تقوم على استغلال هذه الثروات مع ما يعنيه ذلك من إيجاد مجتمعات عمرانية جديدة، وزيادة فرص العمل والحد من مشكلات البطالة. وتشير الإحصاءات الى ضآلة ما تحققه هذه الثروات من عوائد اذ إن رسم التنمية على المحاجر يصل الى 741 مليون جنيه عام 2017/2018 مقابل 540 مليونا عام 2010/2011 ورغم ذلك يظل اقل مما كان عليه عام 2008/2009 حيث بلغ 872 مليونا، وذلك بعد صدور القانون رقم 114 لسنة 2008 والذى اضاف بندين جديدين يتعلقان برخص تسيير وسائل النقل ورخص استغلال المحاجر ونلحظ ان إيرادات المناجم والمحاجر قد ارتفعت من 128 مليون جنيه عام 2014/2015 الى 845 مليونا عام 2017/2018 وبلغ عدد المناجم المرخصة نحو 363 منجم وعدد المحاجر 2675 محجرا وعلى الجانب الاخر ظلت رسوم الذهب زهيدة للغاية الامر الذى ادى الى ضآلة ما يتحقق للدولة من هذه الإتاوات حيث وصلت الى 360 مليون جنيه وكلها أمور تشير الى حقيقة أساسية وهى ضآلة العائد من هذه الثروات بصورة كبيرة للغاية، وهو ما يرجع الى القانون السابق للثروة المعدنية الذى كان معمولا به قرابة نصف قرن، منذ عام 1956 حتى 2014، على الرغم من التطورات العديدة خلال هذه الفترة، وظلت الثروة المعدنية فى البلاد دون ضوابط وتعددت الجهات المشرفة عليها بصورة أدت إلى ضعف العائد، وسوء استخدامها واهدارها على مدى العقود الماضية، حتى صدور القانون الجديد عام 2014 ، والذى صدر بعد صراع طويل مع أصحاب المصالح الذين استخدموا كل ما لديهم من نفوذ لتعطيل اصداره وقوبل بهجوم شديد ورفض طوال عقود، وليس أدل على ذلك من انه مع قانون الخدمة المدنية، كانا هما القانونين اللذين رفضهما البرلمان عند بداية الانعقاد قبل ان يعود ويوافق عليه بعد معاناة شديدة ومعركة حامية الوطيس دفاعا عن ثروات البلاد القانون الجديد قد حقق العديد من المزايا منها توحيد جهات الإشراف والمتابعة فى جهة واحدة هى هيئة الثروة المعدنية. ووضع الضوابط والمعايير التى تجعل ممارسة هذا النشاط تتم فى إطار من الشفافية والمنافسة العادلة مما يضمن حسن الاستغلال الاقتصادى لها فضلا عن تنظيم استخدام هذه الثروات بما يعود بالنفع على الاقتصاد القومي. ناهيك عن المرونة الكبيرة فى الاحكام التى جاء بها مشروع القانون. ولا ينبغى ان يفهم من ذلك ان القانون قد حل كل المشكلات التى نعانيها، ولكنه وضع المبادئ والأطر العامة والسليمة لحسن استغلال هذه الثروات رغم ما به من مشكلات، يأتى على رأسها المادة 7 من القانون التى أعطت الوزير المسئول الحق فى إعطاء التراخيص بالبحث بشروط خاصة ودون التقيد بأحكام القانون من هنا فإن عملية الإصلاح يجب ان تتم على عدة محاور يأتى على رأسها تعديل الوضع الحالى لهيئة الثروة المعدنية لتصبح هيئة اقتصادية بدلا من وضعها كهيئة خدمية، اذ إن وجودها على هذا النحو يحد كثيرا من فاعليتها ودورها المنوط بها فى ظل القانون الجديد. خاصة أنها أصبحت المسئولة الرئيسية عن إدارة نشاط الثروة المعدنية والاشراف على المحاجر والملاحات بالتنسيق مع المحافظات المعنية، وفقا للمادة 3 من القانون ومن هنا فإن وضعها كهيئة خدمية يحد كثيرا من إمكاناتها فى أداء هذا الدور فى ظل اختلاف اللوائح والنظم الحكومية المعمول بها داخل الهيئات الخدمية مقارنة بالهيئات الاقتصادية وهذه المسألة تثير قضية اهم وهى ضرورة إعادة النظر فى التصنيف الاقتصادى لكل الهيئات الخدمية والاقتصادية، إذ إن بعض الهيئات الخدمية يجب ان تتحول الى هيئات اقتصادية والعكس صحيح، ولكنها تتطلب نظرة شاملة للموضوع برمته (تخرج عن نطاق هذه المقالة) وثانى المحاور التى يجب التعامل معها هو التصدى بقوة وحسم لإيقاف حركة التهريب عبر المنافذ المختلفة، وكذلك لعمليات التنقيب العشوائى عن الثروة المعدنية التى تشكل ظاهرة منتشرة بشدة فى العديد من الأماكن، والمشكلة لا تكمن فى عدم شرعيتها ولكن الأهم أنها تؤدى الى هدر كبير فى هذه الثروات نظرا لاستخدام وسائل تنقيب بدائية تؤدى الى ضياع قيم كثيرة على المجتمع ككل وبالتالى يجب أن تعمل الدولة على التوسع فى انشاء شركات عامة ومشتركة فى هذه المناطق بالتعاون مع أهالى المنطقة، مما يضمن الاستغلال الأمثل لها كذلك ضرورة فض الخلافات بين الشركات العامة العاملة فى هذا النشاط، خاصة فى الفوسفات وتصديره، وكذلك بين أجهزة الدولة وبعضها البعض، خاصة بين الوزارات والمحافظات والهيئة، حيث يوجد خلاف بين وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة وبعض المحافظات حول حقوق التراخيص للمحاجر الواقعة بالمدن الجديدة بتلك المحافظات، حيث ترى المجتمعات العمرانية ضرورة ان تؤول اليها حصيلة هذه التراخيص استنادا للمادة 13 من القانون رقم 59 لسنة 1979 الخاص بالمجتمعات العمرانية الجديدة بينما ترى المحافظات ان هذه العوائد يجب ان تؤول للخزانة العامة طبقا لقانون الثروة المعدنية كل هذه الأمور تساعد كثيرا على إيقاف الهدر فى استخدام كنوز مصر من هذه الثروات والحفاظ عليها ويضمن حسن الاستغلال الاقتصادى لها، مستصحبا معه الأهمية الاستراتيجية لهذه الثروات. لمزيد من مقالات ◀ عبد الفتاح الجبالى