تحاول بعض وسائل الإعلام المغرضة منذ فترة بناء حساسية مفرطة بين المسلمين والمسيحيين، لدرجة تدفع العقل إلى رفض الحديث عن أى قضية قد تمس المسيحيين، انطلاقا من أننا بخير، وأنه من الأفضل أن نظل على حالنا، وأن الأمور مستقرة، وأننا أحباب. وعلى المستوى الشخصى، تتلاشى هذه الحساسية لسياق تربوى وتعليمى وثقافى ارتبط بنشأتى منذ سن 4 إلى 17 سنة فى مدرسة الميردى ديو، مدرسة راهبات، بين زميلات مسيحيات وما زلنا اصدقاء حتى اليوم، ومرورا بالجامعة فى 1987 مع زملاء لم أعرف ديانتهم المسيحية إلا منذ عامين، وختاما بكندا فى 1995 واحتكاكى بمشرف على الدكتوراة وزملاء وزميلات أغلبهم من المسيحيين. وما دفعنى للكتابة هو ما نشرته مسبقا واقتباسا على صفحتى عبر الفيس بوك، عن جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم. وعلى الرغم من إجازة التهنئة، فإنى وجدت من يتحدث على استحياء فى هذا الأمر، بل ومن يتجنب تماما الحديث أو التعليق خوفا، أو حرصا، أو تجاهلا. وأقول لزملائى المسيحيين، الذين أحترمهم وأقدرهم.. قد يكون فى وقت مضى كان الحديث عنكم وعن حقوقكم مهمشا فى وسائل الإعلام، ولكن تبدل الوضع تدريجيا منذ 2011، حيث أرى الآن أن تقلد المناصب، وبناء الكنائس، ومشاركة الرئيس فى الاحتفالات والأعياد الدينية المسيحية، واقرار الإجازة الرسمية فيها، وعدم التدخل فى شئون الكنائس، والتعامل مع الجميع تأسيسا على مبدأ المواطنة أصبح جليا ولا يدع مجالا للشك بأننا نحيا جميعا فى وطن واحد ومصيرنا مشترك. وطن غالبيته من المسلمين ودستور ينص على أن الإسلام دين الدولة، ولكنه يقدر المسيحيين ويحترمهم ويعزز حقوقهم انطلاقا من أننا جميعا مواطنون، لنا نفس الحقوق وعلينا ذات الواجبات. ولذا من الصعب حاليا، وفى العهد الحالى خاصة، التحدث عن وجود تفرقة فى المعاملة والحقوق، او أن حوادث القتل تصيب المسيحيين فقط، او اتهام الدولة ومؤسساتها بالتقصير بسبب ان المجنى عليهم مسيحيو الديانة. نحن جميعا مستهدفون من جماعات الشر، الذين يريدون تدمير وحدتنا واحترامنا لبعضنا. وكم من مسلم تم ازهاق روحه من الجيش والشرطة والشعب، ولا نملك إلا الدعاء لهم والقبض على الجناة ومحاكمتهم، وكذلك الحال بالنسبة للمسيحيين. وتقوم الدولة ومؤسساتها بالدور المنوط بها من تأمين الكنائس والمساجد على مستوى الجمهورية، ومعاقبة المقصرين، والإعلان بشفافية عن مجريات الأمور.. والشعب المصرى الأصيل يقوم بدوره فى حماية المسجد والكنيسة، والدفاع عن أرواح الجميع، دون أن يفكر فى ديانة الروح التى ينتفض لحمايتها.. نحن بشر، خلقنا الله من نفس واحدة، ولا فرق بيننا إلا بالتقوى.. هكذا يجب أن نعى مسلمين ومسيحيين طبيعة وجودنا على أرض مصر. وتأسيسا على مبدأ المواطنة، أرى وجوب تجنب الحديث عن مسيحى قتل أو عن مسلم قتل، بل نقول: انسان مصرى او مواطن مصرى تم الاعتداء عليه وازهاق روحه.. وعليه، نكون جميعا، الشعب المصرى، فى موقف وجدانى واحد لا يفرق بين مسيحى ومسلم، بل يشعر بقيمة الروح التى تم قتلها دون وجه حق. ولوسائل الإعلام ومضامينها دور كبير فى بث روح الوحدة بين مختلف اطياف الشعب، وتبنى هدف قومى وتعبئة الجميع نحو المشاركة فى تحقيقه. وكما استطاعت الدولة الحد من توغل بعض إعلاميى الفضائيات ذات التوجه المسمى بالإسلامى ومن مثيرى الفتن فى الوطن، أدعو القائمين على النظام الإعلامى فى مصر إلى وقف بعض إعلاميى الفضائيات ذات التوجه المسمى بالمسيحى، والحد من خطاب التشويه وزرع الفتنة الذى يقومون بنشره بين ابناء الوطن الواحد. نحن شعب واحد، همومنا واحدة، ومشكلاتنا واحدة، نأكل من أرض طيبة واحدة ونعيش ونفرح ونحزن لذات الأسباب، ونحاول حل مشاكلنا معا، دون تفرقة بين مسيحى ومسلم. كل عام وجميعنا بخير بمناسبة مولد سيدنا عيسى عليه السلام. جعل الله مصر أرض السلام، وحفظنا جميعا من كل مكروه، وجعلنا زخرا لمواجهة كل دخيل علينا، وثبت الله اقدامنا للدفاع عن مصر وارضها وشعبها. ----------------------- الأستاذة بكلية الإعلام جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د. ثريا أحمد البدوى