يمكنك قراءة العنوان من اليمين إلى اليسار، أو العكس. والعبارة استلفتها من عماد الدين الأصفهاني، الذى جاء فى كتاب بدائع الزهور فى وقائع الدهور, أن القاضى الفاضل مر عليه، راكبًا فرسه، وحيّاه قائلًا: دام عُلا العماد، فرد عليه الأصفهانى التحية بقوله: سِرْ فلا كبَا بك الفَرَس. ولعلك لاحظت أن الجملتين، أو الدعاءين، يمكن قراءتهما من اليمين أو اليسار!. من ذلك، أيضًا، قول ناصح الدين الأرجاني: مودته تدوم لكلِّ هول.. وهل كلٌ مودته تدوم؟، وعلى النحو نفسه، سار شعراء آخرون، وتبعهم العوام بعبارات من عينة: زوج عجوز.. حوت فمه مفتوح.. وحصان ناصح. ومع أن لغتنا العربية يُسر لا عُسر، كما قال عميد الأدب العربى طه حسين، إلا أنك ستجد بين القدماء من جعلوها ألغازًا وخرجوا منها بمعادلات معقدة، إما لاستعراض مهاراتهم اللغوية، أو لاستخراج الدُّر الكامن فى أحشاء بحر اللغة التى يحتفل العالم فى 18 ديسمبر من كل عام بيومها: اليوم العالمى للغة العربية.اللافت، فى احتفال هذا العام، أن أندية كرة قدم أوروبية عديدة احتفلت بهذا اليوم، بنشر تغريدات وفيديوهات فى حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي، أبرزها حساب نادى ليفربول على تويتر الذى وجدها فرصة للإشادة بلاعبيه المؤثرين، وإطلاق صفات عربية عليهم: منقذ.. عملاق.. قائد.. العقل المدبر.. القلب الشجاع.. القناص، وبصورة محمد صلاح، الذى وصفوه بالمبدع، ينتهى الفيديو ببيت الشعر الذى يقول فيه أمير الشعراء أحمد شوقي: إِنَّ الَّذى مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِنًا.. جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ فى الضادِ، تبعته عبارة: لن تسيروا وحدكم أبدا. ومع نادى برشلونة الإسباني، وبايرن ميونيخ الألمانى وإنتر ميلان الإيطالي، وغيرها، كان النادى الأهلي المصري، أبرز الأندية العربية التى احتفلت بهذا اليوم ونشر فى تغريدة بيت شعر امرئ القيس: مُكرٍ مفرٍ مقبل مدبر معًا.. كجلمود صخر حطه السيل من علِ. احترامى للنادى المصرى العريق، ولكل الأندية العربية التى احتفلت واحتفت باليوم العالمى للغة العربية، لا يمنعنى من التأكيد على أنها ما كانت ستفعل ذلك لولا أن سبقتها الأندية الغربية، التى ما كانت ستفعل ذلك، أيضًا، لولا ما حققه ابننا، اللاعب المصرى محمد صلاح، نجم فريق ليفربول، ونجم الدورى الانجليزى ودورى أبطال أوروبا. بالضبط، كما يرجع إلى جنودنا المصريين، فضل صدور قرار الجمعية العامة للأمم رقم 3190 فى دورتها الثامنة والعشرين، التى انعقدت فى 18 ديسمبر 1973، بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة فى الجمعية العامة ولجانها الرئيسية، ليصبح ذلك اليوم، يوم صدر القرار، يومًا عالميًا للغة العربية. ولم تكن مصادفة أن يصدر القرار الآخر، المُكمّل، بإدخال العربية ضمن اللغات الرسمية فى الهيئات الفرعية، فى 20 ديسمبر 1979 أى بعد شهور من توقيع اتفاقية السلام بين مصر والإسرائيليين. تاريخ اللغة العربية فى الأممالمتحدة يبدأ فى 4 ديسمبر 1954 حين أصدرت الجمعية العامة، القرار رقم 878 بنشر وثائق الجمعية العامة ولجانها باللغة العربية، وكذا وثائق لجانها الفرعية وغيرها من التقارير الأخرى الصادرة عن هيئات الأممالمتحدة التى تعالج مشاكل خاصة أو عامة تهم المناطق التى تتكلم باللغة العربية، بشرط ألا يتجاوز حجم المنشورات الصادرة فى السنة الواحدة ما مجموعه أربعة آلاف صفحة من النص الانجليزي. وسنة 1960، أقر المؤتمر العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، فى دورته الحادية عشرة بأهمية اللغة العربية، معتبرًا أن وقع الوثائق الصادرة عن المنظمة سيزداد إلى أقصى حد فى الدول العربية والبلدان الناطقة بالعربية إذا تم نشر هذه الوثائق باللغة العربية. تاريخ اللغة العربية فى الأممالمتحدة، يشير أيضًا إلى أن الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر، كان صاحب أول خطاب باللغة العربية على منصة (منبر) الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى الدورة الخامسة عشرة، أو دورة الرؤساء التى انعقدت سنة 1960. وفى ذلك الخطاب التاريخي، بالمعنى الحرفى للكلمة، اتهم عبدالناصر، بلغته العربية الرصينة، الأممالمتحدة بأنها نسيت ميثاقها ونسيت مسئولياتها، فى الشرق العربي. وهاجم الاستعمار وأدان جريمته فى حق شعب فلسطين التى أراد بها أن يمزّق الوحدة الجغرافية للعالم العربي، وأن يقيم لنفسه قاعدة يهدّد منها الشعوب العربية. وأكد أن الحل الوحيد فى فلسطين، كما هو الحل الوحيد فى الكونغو، أن تعود الأمور لسيرتها الأولى وأن ترجع إلى النقطة التى بدأ الخطأ عندها. هكذا، ظلت اللغة العربية حاضرة وغائبة فى الوقت نفسه، إلى أن حققت قواتنا المسلحة نصرها العظيم، فى حرب أكتوبر 1973، وجعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة: تدرك ما للغة العربية من دور مهم فى حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وتدرك أيضًا أن اللغة العربية هى لغة تسعة عشر عضوًا من أعضاء الأممالمتحدة، والكلام ننقله من نص القرار رقم 3190. وعليه، رأينا الواجب، أقل واجب، ألا يمر احتفالنا باليوم العالمى للغة العربية، دون أن نقول لجيشنا العظيم وشعبنا الأعظم: سِر.. فلا كبا بك الفرس. لمزيد من مقالات ماجد حبته