الأزمات وتداعياتها ليست غريبة علي جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس, فهي اقترنت باسمه وبالوثائق السرية التي ينشرها بين الحين والآخر علي موقعه الالكتروني لفضح ممارسات غير أخلاقية .. لبلدان تدعي حملها مشعل الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان. لكن أزمة تلك المرة ذات طابع مختلف, فلقد افتعلها اسانج في محاولة منه للفرار من العدالة ومن القصاص علي جريمة اغتصاب وتحرش جنسي قد يكون ارتكبها بالفعل بحق إمرأتين في السويد.صاحب ويكيليكس استطاع أن يحول وجهة الرأي العام العالمي عن كونه متهم في قضية أخلاقية غير مختلف عليها إلي اعتباره هدفا لمؤامرة تحيكها ضده واشنطن-البطل الدائم في أزماته- لتنال منه بعد نشره052 ألف برقية دبلوماسية من سفارات الولاياتالمتحدة المختلفة عبر العالم, ولتجهض من خلاله عصر ابتدأه لحرية الإعلام وتداول المعلومات. عندما لجأ اسانج الي سفارة الاكوادور في التاسع عشر من يونيو الماضي متحديا السلطات البريطانية وقرار ترحيله الي السويد, توارت قضيته الاساسية وباتت وسائل الاعلام تتناقل يوميات الأزمة الدبلوماسية بين لندن وكيتو واستوكهولم التي دخل تباعا علي الخط, معتبرة أن كل المثار حول نزاهة قضائها اهانه لها ولسمعتها عالميا. وبدأت التقارير الاخبارية تعيد للاذهان مرة أخري صورة اسانج البطل الذي تحدي الولاياتالمتحدة عام2010 ونشر مئات الالاف من وثائقها السرية علي الانترنت. الرجل- بلا شك- موفقا في اختياره للاكوادور, فالدعم الذي وجده من شعبها والموقف الذي اتخذه رئيسهم من القضية بدا مفاجئا للجميع وربما لاسانج علي نحو شخصي, ولكنه ليس مستغربا. فالاكوادور- التي طالبت في البداية بضمانات بريطانية بعدم ترحيل اسانج الي الولاياتالمتحدة ثم منحته فيما بعد حق اللجوء السياسي- شأنها شأن باقي دول امريكا اللاتينية اليسارية يجمعها ثأر تاريخي بالولاياتالمتحدة وتري في تحدي رغبتها بطولة تتشدق بها. ولعل هذا يوضح ما اختزل به الرئيس الاكوادوري رافائيل كوريا ازمة اسانج علي انه' صراع اساسي بين دولة صغيرة وقوي استعمارية',ويفسر كذلك موقف كتلة دول امريكا اللاتينية اليسارية'البا' الداعم لكيتو. كما ان الرئيس الاكوادوري نفسه الذي يستعد لجولة جديدة من الانتخابات الرئاسية في فبراير المقبل, ليس من نوعية الزعماء الذين يتخذون مواقف كهذه تحت مسمي' الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام' علي النحو الذي يصوره إعلامه الوطني ببلاده,بل انه معروف باخراسه لمنتقديه في وسائل الاعلام, فضلا عن تصنيف لجنه حماية الصحفيين في نيويورك أوضاع الاعلام في كيتو مؤخرا علي أنها ضمن الأكثر سوءا في الأمريكيتين. أما لندن من جانبها,يبدو أنها آثرت اتباع سياسة' النفس الطويل' مع الاكوادور دون إثارة أزمة دبلوماسية معها, وهذا ما جعلها تتراجع عن تصريحاتها الأخيرة حول استرجاع قانون عام1987 الذي بموجبه يمكن رفع الصفة الدبلوماسية عن سفارة الإكوادور ومن ثم اقتحامها للقبض علي اسانج وتأكد احترامها للقانون الدولي الذي يحظر انتهاك السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج. فأسانج مهما طالت مدته داخل السفارة, فهو خارج منها لا محالة ولكن بعدما تكون وسائل الاعلام ملت الحكاية وأصبحت لا توليها تلك المساحة التي باتت تخصص لها بشكل شبه يومي, كما أن شخصية اسانج ذاتها يمكن التعويل عليها كثيرا في هذا الصدد,اذ انه ليس من نوعية الافراد الذي يحافظ علي حلفائه لفترة طويلة, فمعظم الذين التفوا حوله من المشاهير ونشطاء حرية الاعلام,انصرفوا عنه سريعا عقب نزاعات حادة فرقت بينهم.