عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقى تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم». ظاهر الحديث يفيد أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالسيف لقتال من لم يؤمن بالله تعالى حتى يدخل فى الإسلام، ويعبد الله وحده، وقد تمسك بهذا الظاهر جماعات العنف التى ترتكب جرائم القتل باسم الإسلام، لكن هل هذا الظاهر يتفق مع قواعد الشريعة المبنية على اللين والصفح؟ يقول الدكتور محمد إبراهيم الحفناوى، أستاذ أصول الفقه ورئيس اللجنة العلمية الدائمة لترقية أعضاء هيئة التدريس: الحديث من حيث المتن يتعارض مع ما قرره القرآن الكريم بخصوص ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ القرآن كله لا يجد فيه آية واحدة تصرح أو تشير إلى أنه صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالسيف، وإنما يجد آياته صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم بعثه ربه بالهدى ودين الحق، والموعظة الحسنة، والرفق بالناس. قال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا). وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ). هذه الآيات وغيرها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث بالسيف - كما يقال - وإنما بعث بالهدى والرحمة العامة للعالمين وبالتبشير وبالإنذار. ويؤكد الحفناوى أن الحديث المذكور لا يصمد أمام آيات القرآن الكريم الواضحة البيان التى تقرر لكل الناس أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة لكل العالمين، وأنه كما قال أبو العباس المرسى رحمه الله: الأنبياء لأممهم عطية، ونبينا لنا هدية، وفرق بين العطية والهدية؛ لأن العطية للمحتاجين، والهدية للمحبوبين. فما يفيده ظاهر الحديث يتعارض مع القرآن الكريم، وإلا فما معنى قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ). ويتساءل الحفناوى: هل الرسول الذى نزلت عليه هذه الآية يقول: بعثت بين يدى الساعة بالسيف.. إن هذا بعيد. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث بالسيف لنشر دعوته، ولم يرتزق من رمحه، وإنما كان حليما ما عرفت منه زلة، ولا حفظت عنه هفوة، وكان لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما، ولما كسرت رباعيته، وشج وجهه الكريم يوم أحد شق ذلك على أصحابه، وقالوا: لو دعوت عليهم، فقال: «إنى لم أُبْعَثْ لَعَّاناً، ولكنى بُعِثْتُ داعياً ورحمةً، اللهم اغفرْ لقومى فإنَّهمْ لا يعلمون». انظر إلى ما فى هذا القول من جماع الفضل، ودرجات الإحسان، وحسن الخلق، وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر على السكوت عنهم حتى عفا عنهم. إن دعوته صلى الله عليه وسلم تمحضت إلى الاعتماد على العقل والنظر، وانتهت إلى الإقناع والحجة، أما السيف والرمح، وأما القوة والقسر فما لها من سبيل على أحد، ولا يدفع إنسان إلى الدين دفعا، ولا يحمل على العقيدة حملا؛ لأن الدين فى جوهره يأبى إلا أن يكون عن رضا واختيار، وكل نفس تسلك ما تريد. هذه هى طبيعة الدعوة المحمدية، وهذه سبيلها، وإن دعوة بهذه المثابة لا يمكن أن يصدق عاقل أنها تحمل فى طياتها إكراه أحد من الخلق على اعتناقها أو الإيمان بها (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). ويضيف الدكتور الحفناوى أن الحديث من حيث السند فيه كلام، ولم يأت من طريق واحدة صحيحة متصلة سالمة من النقد، وإنما صححه من صححه بطرقه، وكلها لا تسلم من مقال، ولم تكثر إلى درجة يقال: يقوى بعضها بعضا، على أن التصحيح بكثرة الطرق - وإن لم يكن معروفا بكثرة ووضوح عند المتقدمين من أئمة الحديث - إنما يعمل به فى القضايا اليسيرة، والأمور الجزئية البسيطة، لا فى مثل هذا الأمر الذى يعبر عن عنوان الإسلام واتجاهه، هل بعث رسوله بالرحمة أو بعث بالسيف؟ هل يتفق هذا مع وصف الله تعالى له (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)؟!