لا مجال للبحث عن فرصة للفوز فى هذه المعركة، ولكن القضية الآن هى الانفصال بأقل الخسائر. وسواء وافق البرلمان البريطانى على اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبى «البريكست» أم لا، فإن عدم الاستقرار المالى والاجتماعى والمزيد من العزلة والشقاق هى القادمة لا محالة. وبالتالي، أصبحت المفاوضات تتركز على ما تبقى من وحدة الأراضى البريطانية والاستقلال المالى والخلافات السياسية التى دبت بقوة ولا يعلم أحد متى ستنتهي. ويبدو أن «الطلاق» من الاتحاد بعد «زواج» دام 45 عامًا أصعب بكثير مما تصور مؤيدو الاتفاق، فالبريكست ليس بداية النهاية للاتحاد الأوروبي، لأن المتضرر الأكبر هنا هو المملكة المتحدة التى ستصبح أقل وحدة بمجرد الخروج، وإن كان الاتحاد سيخسر عضوا مهما، لكن القافلة الأوروبية ستسير، دون المملكة المتحدة. فالمملكة المتحدة يمكن أن تخسر أسكتلندا، التى طالما طالبت بالانفصال ورغبتها فى البقاء تحت المظلة الأوروبية ستعزز هذه المطالب، ناهيك عن انتعاش الآمال الإسبانية فى استعادة منطقة جبل طارق، إذا لم يتم الاتفاق على البريكست، خاصة وأن مدريد أعلنت مؤخرا فى بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولى تمسكها بموقفها بما نصت عليه المادة 31 من معاهدة فيينا الخاصة بقانون المعاهدات والاتفاقيات لعام 1969، لكى يبقى وضع جبل طارق مرهونا بمفاوضات مباشرة بين البلدين، حتى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واقعيا، بريطانيا هى أقل الأعضاء اندماجا فى الاتحاد، فقد رفضت من البداية الانضمام إلى اتفاقيات التأشيرة الموحدة «شينجن» أو العملة الموحدة «اليورو»، لكن حتى خروجها مهمة ضخمة، وفى حالة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة، تظهر مشكلة الحدود الآيرلندية مرة أخري، واللجوء للتكنولوجيا لتحقيق التواصل والربط بين الحدود لن يحل الأزمة. ووفقا للاتفاق المبدئى للبريكست، فإن المملكة المتحدة ستبقى فى الاتحاد الجمركي، وعلى مقربة من السوق الموحدة، وسوف تظهر المفاوضات حول العلاقة المستقبلية، أن مغادرة السوق الداخلية سوف يعنى رخاء أقل، وقد بدأت بالفعل فترة عدم اليقين الآن للشركات، وبعد الانفصال، سيكون هناك انتقال يستغرق من عامين إلى أربعة أعوام، وفى حالة رفض البرلمان الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا تواجه مشكلة أخرى وهى «عدم وجود صفقة» للخروج، وهو ما سيكون له توابع وخيمة. لذا، تم طرح عدة حلول تتمثل إحداها فى الاحتذاء باتفاقية «سوبر كندا» أو الاتفاق التجارى والاقتصادى الشامل المبرم بين كندا والاتحاد الأوروبي، فمؤيدو الخروج يرفضون فكرة الدعم التجارى الأيرلندى على أساس أنه ليس من المطلوب تجنب إقامة نقاط تفتيش على الحدود مع آيرلندا الشمالية مهما تكن صعوبتها، ولكن لا يوجد احتمال بتخلى الاتحاد الأوروبى عن الدعم مما سيعنى فشل فكرة سوبر كندا. ومن غير المحتمل أن يصوت مجلس العموم على صفقة تعتبر بشكل عام خسارة اقتصادية. وفى هذه الحالة يظهر مؤيدو فكرة «عدم التوصل لاتفاق» لأنها فى النهاية أمر سهل التنفيذ وهى تأتى بشكل أوتوماتيكى بموجب المادة 50 المنصوص عليها فى الاتحاد الأوروبي، التى تمنح الحق لأعضاء الاتحاد بالانفصال عن الكتلة الأوروبية، وذلك فى حالة الفشل فى التوصل لاتفاق. ومع ذلك، يبدو أن هذه الفكرة غير مقبولة بين جميع أطراف النزاع. وفى غضون ذلك، يقترح حزب العمال المعارض صفقة تتضمن اتحادا جمركيا دائما مع وجود دور بارز للمملكة المتحدة فيما يتعلق بالصفقات التجارية المستقبلية والمشاركة الكاملة فى السوق الموحدة لكن دون إجراءات «حرية الحركة» أو الحدود المفتوحة بين دول أعضاء الاتحاد، ومع ذلك، فالمشاركة الكاملة فى السوق الموحدة غير قابلة للتفاوض دون قبول حرية الحركة، وكذلك دور المملكة فى الصفقات التجارية المستقبلية. وإذا تمت الموافقة على اقتراح العمال فيجب أيضا تعديله بحيث يتيح حرية الحركة، وهو ما يستلزم تصويتا بالأغلبية، وهو ما يعد أمرا شبه مستحيل فى ظل الخلافات المشتعلة. والبديل الأخير الذى ينادى به العديد من أعضاء البرلمان المحافظين هو ما يطلق عليه «نموذج النرويج» الذى يقر الخروج من الاتحاد ويضمن الانضمام لمنظمتى الاتحاد الأوروبى للتجارة الحرة والمنطقة الاقتصادية الأوروبية، بما يؤكد التعاون الأوروبى البريطانى مع الحفاظ على الاستقلالية المالية لبريطانيا. والمشكلة أيضا أن هذا البديل ما زال يواجه الفشل، ولكن إذا أعيدت صياغته فقد يبدو مثل خطة حزب العمل فى حالة تعديلها. باختصار، لا يبدو أن أيا من هذه البدائل قابل للتطبيق حتى الآن. ومن هنا، تنجرف البلاد نحو تصويت بعدم الثقة فى الحكومة الحالية أو استفتاء ثان. وفى جميع الأحوال، فإن ذلك سيجعل الغلبة لحزب العمال ليلعب دورا رئيسيا فى نتائج خروج بريطانيا. وتبقى فى النهاية المهمة الرئيسية هى إنقاذ المملكة المتحدة قبل السقوط فى حافة الهاوية، لأنه لا يوجد شيء فى الحياة لا رجعة فيه قبل فوات الأوان .. ولا حتى البريكست.