يتعجب مئات الملايين فى العالم الثالث من أن تحتج التظاهرات الفرنسية الصاخبة على الظلم الاجتماعي، لأنهم يظنون أن الظلم مقصور على المعاناة من الجوع والمرض والتشرد وانعدام المرافق الأساسية..إلخ! وفى هذا تذكير بالقول القديم إن الظلم ليس بوقوعه وإنما بالإحساس به. كما أن هذه التظاهرات تُنبِّه إلى ضرورة اليقظة من التورط فى أوهام أن الهدوء السطحى تعبير عن رضا عام مستقر، يعنى أنه من الحصافة أن يدأب كل مجتمع عاقل على إيجاد حلول لجذور الظلم قبل أن تقع الانفجارات! والحقيقة أن الرئيس السيسى لفت الأنظار مبكراً إلى وجوب علاج الفقر المدقع وأسبابه وظواهره، وحذَّر من السكوت على معاناة تُهدِر كرامة الملايين، وتُبدِّد طاقات إنتاج ممكنة، وتشوِّه صورة البلد. ولكن الحقيقة أيضاً أن أثرياءنا لم يتجاوبوا مع دعوته بالقدر المطلوب، لا من باب الحضارة والإنسانية، ولا من أجل مصلحتهم، واستمروا فى استهلاكهم الاستفزازي، لأن العقلية السائدة لدى معظمهم تعفيهم من المشارَكة فى المسئولية، لأنهم يعتبرون الفقراء هم السبب الوحيد لفقرهم، لخمولهم وتقاعسهم عن تطوير أحوالهم ورفع مهاراتهم الضرورية للوظائف المجزية..إلخ! وهى نظرة ضيقة وخطيرة لأنها تتعامى عن أبعاد شديدة الأهمية، ويكفى الإشارة إلى الأطفال الذين يرثون أحوال الفقر المزرية، دون أن يتسببوا فيها، مما يجعل الكارثة تمتد فى أجيال بريئة قادمة. ولا مجال للمقارنة بين أحوال فقرائنا بأوضاع فقراء فرنسا. ومع إدراك أن دور الأثرياء، ورغم تخفيفه من حدة التوتر، فإنه لا يمكن له وحده أن يعالج قضية شديدة التعقيد تتداخل فيها عوامل متعددة. انظر إلى التشابه فى انفلات التظاهرات الفرنسية إلى تخريب محال فخمة فى الشانزليزيه، لا يحلم المخربون أن يكونوا من زبائنها يوما ما، مع تظاهرات الأمن المركزى فى مصر عام 1986، عندما اقتحم الجنود البؤساء أقرب فندق فخم والتهموا الطعام نيئاً! ورغم بشاعة المأساة ومعانيها التى كان يجب تمحيصها بدقة ودراستها بجدية ووضع حلول عاجلة وآجلة، إلا أن بعض الأثرياء لدينا لم يلتقطوا منها سوى بعض النكات التافهة! [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب