ما أن تلتقى عيناك طلته وحضوره المميز وتتأمل بمزيج من المتعة والدهشة أرجاء المكان الذى يستقبلك فيه، حتى يغمرك إحساس قوى أنك أمام «حدوتة مصرية» جميلة..هيئته وملامحه وفيض حلاوة كلماته تكشف عن خلطة تجمع بين جدعنة وأصالة «الأسطى» ابن باب الشعرية - الذى تفتحت براعم طفولته على رنين آلات صناعها وحماسهم وحبهم للعمل- وبين رقى وشغف فنان عاشق لمهنته و«برنس» فيها..لكن يبدو أن عزيز القوم كاد يذل. تشرب مهنة صناعة إكسسوارات السينما من والده الذى عمل بها منذ عام 1938 فى تياترو روض الفرج ومع الأرمن والجريج حتى بدأ استوديو مصر انطلاقة مصرية ثم تلاه التليفزيون. التحم عباس سريعا مع صنعة والده وذاب فيها عشقا وأخلص لها.. فأغدقت عليه من خيرها ومتعتها وكنوزها، حتى أصبح من مشاهير صناعة السينما فى مجاله. جمع كنوزه واكسسواراته من أسواق «الروبابيكيا» والقصور القديمة ومن ثنايا القرى وقلب الحارات، ليكون ويرسم تفاصيل وملامح المكان والشخصيات الدرامية. «نقرأ أنا وفريق العمل السيناريو ونفرغ الإكسسوارات وأتبادل الرؤى مع مهندس الديكور والمخرج المنفذ ثم نبدأ فى تركيب وفرش الديكور». 50 عاما قضاها فى العمل بالقرب من عمالقة الفن مثل يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وغيرهما وشارك فى أشهر الأعمال السينمائية والدرامية. ولا ينسى أبدا كلمات شاهين له « إنت زيى.. الفكرة بتقومك من عز النوم». فى استراحته التى يستخدمها كمخزن مؤقت لبعض كنوزه التى تتراكم حاليا فى عدة أماكن متفرقة ، تدفقت ذكرياته عن أمجاد الماضى ودمعت عيناه متحدثا عن الحاضر. ف «المليونير الجربوع» كما أطلق عليه الراحل ممدوح الليثى فى جعبته كما فى مخازنه الكثير من الكنوز.. حكى عن أيام العز حين كانوا يقدمون مع مدينة الإنتاج 40 مسلسلا قيما ويتم تسويقها فى السوق العربية.. وكيف كان للفنيين المصريين شهرة وتقدير أهلتهم للمشاركة فى أفلام عالمية مثل «عمر المختار» و«الرسالة» و«وداعا بونابرت». وتدفقت كلماته تسابقها دموعه التى تسيل بسبب إصابة حديثة ب«العصب السابع» وهو يتساءل عن سبب إهمال صناعة السينما والدراما مؤخرا؟ متعجبا من مسلسلات يقتصر محتواها على العنف والمخدرات أوالبلطجة، ويحصل فيها النجم على نصيب الأسد من الميزانية، بينما ما يتبقى لا يغنى العمل أو عناصره. ويردد مندهشا: كيف لا نقدم مصر الحقيقية فى أفلام تروى قصص أبطالنا وشهدائنا وتحكى عن إنجازاتنا؟ وتبدو ملامح الانكسار على ملك الصنعة، الذى بذل سبعين عاما فى خدمة الفن وهو يتحدث عن مصير 70 عاملا وفنيا فى شركته، كيف يجدون أبسط مقومات العيش ؟ «فالسينما صناعة حياة».. و«إحنا حظنا حلو علشان عندنا رئيس ابن بلد من الجمالية ويعرف حياة الصناع ويشعر بهم وبمشاكلهم، فهل يسمعنا المسئولون ؟»