يعيش العالم هذه السنوات غمار مرحلة تحول كبرى وهى ما تسمى الثورة الصناعية الرابعة التى تمس مختلف جوانب حياة الإنسان والمجتمع والدولة وكل العلاقات والنظم المرتبطة بهم. وهذه الثورة لم تولد بين يوم وليلة بل تعود بجذورها الى ما يقرب من نصف قرن عندما بدأ الحديث عن الثورة العلمية والتكنولوجية فثورة المعلومات والاتصالات والتقدم المذهل فى أجهزة الحاسب الآلي. وتعبير الثورة الصناعية الرابعة أطلقه كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس 2016 ثم راجت بعد ذلك فى الأوساط العلمية والإعلامية والسياسية فى كل أنحاء العالم. وهناك مسميات أخرى لهذا التحول كالحضارة الرقمية والزمن الرقمى والعصر الرقمى وعصر ما بعد المعلومات. ويشير تعبير الثورة الصناعية الرابعة الى أنها تأتى بعد الأولى التى اعتمدت على البخار والثانية التى بدأت بعد اكتشاف الكهرباء والثالثة التى دشنتها شبكة الاتصالات العالمية «الإنترنت» والرقمنة البسيطة، أما الثورة الرابعة والتى تنبنى على سابقتها فإنها تعتمد على القدرات الهائلة على تخزين المعلومات الضخمة واسترجاعها والربط وإقامة العلاقات والتشابكات بينها. وارتبط بذلك التقدم المذهل فى مجالات الذكاء الاصطناعى والآلات التى تحاكى قدرات الانسان«الروبورت» والتكنولوجيا الحيوية والسيارات والمعدات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار وانترنت الاشياء وسلسلة الكتل والطابعات ثلاثية الأبعاد والعملات الافتراضية وكلها مجالات تعتمد على الابتكار والإبداع وتقوم على التفاعل بين المعلومة والآلة وعقل الإنسان. فهذه الثورة بحق هى ثورة الذكاء أو الثورة الذكية والتى تنتشر آثارها وتطبيقاتها بسرعة مذهلة. تتسارع الدول والحكومات فى توطين هذه التقنيات واستخدامها ففى عام 2017 كشفت الصين عن خطة طموحة للاستثمار فى مجال الذكاء الاصطناعى خصصت لها 22 مليار دولار على مدى خمس سنوات هذا مع العلم أن الصين تتنافس مع أمريكا الآن على المقعد الأول عالميا فى هذا المجال. وفى يناير 2018 وقعت دولة الإمارات اتفاقية تعاون مع المنتدى الاقتصادى العالمى لإنشاء مركز الثورة الصناعية الرابعة لإعطاء دفعة للحصول على تقنيات المستقبل. وفى مارس أعلن الرئيس ماكرون أن فرنسا ينبغى أن تشغل موقعا رياديا فى بحوث الذكاء الاصطناعى وأقر خطة لتحقيق ذلك خصص لها مليارا ونصف مليار يورو على مدى خمس سنوات لجذب خيرة العلماء المتخصصين للعمل فى فرنسا وتشجيع الباحثين الفرنسين على التخصص فيه. وكان من الثمرات المبكرة لهذه الخطة إعلان شركة آي. بى .ام الأمريكية العملاقة عن مشاركتها بالخبرة التكنولوجية فى عدد من مراكز البحوث الفرنسية وتلاها شركات ألمانية ويابانية أخرى فى هذا المضمار. وعكست ميزانية وزارة الدفاع الفرنسية لعام 2019 مزيدا من الاهتمام بتطوير تطبيقات عسكرية تعتمد على الذكاء الاصطناعى فخصصت 2.8 مليار يورو لتكثيف برامج البحث والتطوير لإنتاج أسلحة ذكية لتتوافق مع حروب المستقبل والإعداد لإنشاء وكالة وطنية للابتكار العسكري. وفى أكتوبر 2018 افتتح رئيس الوزراء الهندى مونى مركز الثورة الصناعية الرابعة فى بلاده وذلك بهدف أن تصبح الهند مركزا عالميا للبحث فى مجالاتها وأشار إلى أن هذه الثورة تفتح أمام الهند آفاقا جديدة فى مجال الإنتاج والخدمات وتوجد الفرصة لمزيد من الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص. تتنافس الدول فى W تبنى تطبيقات ومبتكرات الثورة الصناعية الرابعة نظرا لما تجنيه من وراء ذلك من فوائد فى مجالات زيادة الإنتاج الصناعى والزراعى وتحسين جودته وتطوير الخدمات الحكومية وزيادة التصدير وتطوير نظام التعليم بما يشجع قيم الابتكار وتحقيق الشمول المالى والاجتماعى بحيث تتوافر صورة رقمية عن كل هيئة ومؤسسة ومواطن. ولهذا اسعد كثيرا عندما اطًلع فى الصحافة على تصريحات رسمية تفيد سعى الحكومة المصرية للانخراط فى هذه الثورة ومنها حوار صحيفة الأهرام مع المهندس عمرو طلعت وزير الاتصالات فى 22 /10 والذى تحدث فيه عن خطط الدولة فى التحول الى المجتمع الرقمى والعدالة الرقمية بما يسهم فى تحقيق الاصلاح الإدارى وتطوير الخدمات الحكومية وتحسينها ومكافحة الفساد وأن هناك جهودا كبيرة لتطوير البنية المعلوماتية المصرية والتى تشارك فيها وزارة الاتصالات مع عدد من الوزارات الاخري. وأن هناك قرارا بالدخول فى مجال صناعة الالعاب الإلكترونية وأن الوزارة تنظم دورات تدريبية للشباب فى هذا المجال. أكد هذا التوجه قرارا الرئيس السيسى بتدريب 10 آلاف شاب من مطورى الألعاب الإلكترونية كما نشرت الأهرام فى 8-11 على لسان رئيس الاتحاد المصرى لهذه الألعاب. وسبق كل هذا تصريح طارق قابيل وزير التجارة والصناعة السابق فى 17-9-2017 بشأن جهود وزارته فى مجال التحول الرقمي. ومن المهم الإشارة الى قرب انعقاد مؤتمر القاهرة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذى ينعقد يوم 25/11 فى دورته ال22 تحت شعار قيادة التحول والذى يدرس الحلول الرقمية التى تؤدى الى تحسين الاداء فى عدد من المجالات مثل النقل وتطوير البنية التحتية للنقل والطرق وتطوير منظومة التعليم والتكنولوجيا المالية والشمول الرقمى والامن والسلامة وتأمين الاشخاص والمنشآت والمدن والمجتمعات الذكية. وكلها مجالات ومحاور من الضرورى أن تصبح جزءا من عملية التغيير الكبرى التى تتم فى بلادنا. وحسب ترتيب مصر على دليل التنافسية العالمية والدولية وفقا لمؤشرات الثورة الصناعية الرابعة مازال أمامنا شوط كبير علينا ان نعمل جميعا لاجتيازه سواء على مستوى الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى والإعلام. علينا ان نزيد وعى الرأى العام بالتحولات الكبيرة فى العالم وأهمية انخراط مصر فيها وان يتكاتف المجتمع ويدعم بقوة تطوير النظام التعليمى لتشجيع الابتكار وأن يتم تنظيم مئات وآلاف الدورات التدريبية لثقل مهارات الشباب وأن تتنافس الجامعات على إنشاء مراكز البحث فى تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وإقامة الحضانات التكنولوجية ومراكز تشجيع الابتكار وأن يتم تطوير البنية التشريعية المحبذة لتلك التطورات وتوفير التمويل المناسب. المطلوب أن نغرس بين الشباب أهمية الانفتاح على ثقافة الثورة الصناعية الرابعة والتكنولوجيا الرقمية وقيم الابتكار والإبداع وفى هذا فليتنافس المتنافسون. لمزيد من مقالات د. على الدين هلال