لأسباب كثيرة، فى مقدمتها الحرب التجارية التى يشنها ترامب على بكين منذ مارس الماضى، من المفترض أن تكون الصين أكثر دول العالم انتظارا لأى تغيير تشهده الساحة السياسية الأمريكية، لكن يبدو أن بلاد التنين لم تعد تنتظر أفضل من الأوضاع القائمة فى العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، إدراكا لحقيقة أن السياسة الأمريكية ليست وليدة اللحظة، ولا يتحكم فيها الرئيس إلا بقدر محدود، وهذه السياسة ترى الصين خطرا كبيرا يجب التعامل معه. هذا اليقين الصينى بأن سياسة أمريكا تجاه بكين أكثر رسوخا من أغلبية يمتلكها الحزب الحاكم أو الحزب المعارض فى مجلس النواب أو الشيوخ الأمريكى، جعلت الصين تتابع انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى بشيء من عدم الاكتراث، أو هكذا بدا من غياب تعليقات المسئولين الصينيين على نتائج تلك الانتخابات، حيث لم يصدر تعليق رسمى واحد من بكين. وحينما تم سؤال هوا تشون يينج، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، خلال المؤتمر الصحفى اليومى، عن تعليقها على النتائج، قالت بتهكم: «إنه شأن داخلى أمريكى ولا أريد التعليق عليه.. ولو علقت فسأعرض نفسى لاتهامات التدخل فى انتخابات الكونجرس»، فى إشارة إلى اتهامات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السابقة للصين بالسعى للتدخل فى الانتخابات الأمريكية، من خلال فرض تعريفات جمركية على البضائع الأمريكية المصدرة للصين، فى ظل الحرب التجارية المشتعلة بين البلدين، وهو ما نفته الصين وقتها مؤكدة أن ما فرضته من تعريفات جمركية جاء كرد فعل على تعريفات أمريكية فرضتها واشنطن على البضائع الصينية. ترامب ولم تكن هذه المرة الأولى التى تعلق فيها هوا تشون يينج، المتحدثة باسم الخارجية الصينية ونائب رئيس قسم المعلومات بالوزارة، بطريقة ساخرة حول الشأن الأمريكى، فقد سبق أن سخرت من تقارير أمريكية نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» اتهمت المخابرات الصينية بالتنصت على هاتف ترامب (الآيفون)، حيث قالت: «إذا كانوا قلقين من استخدامه أجهزة آيفون، يمكنهم أن ينصحوه باستخدام هواوى»، وتابعت: «عند رؤيتى لهذه التقارير شعرت أن هناك أشخاصا فى أمريكا يعملون بكل طاقتهم للفوز بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو». هذا العزوف الصينى عن التعليق على نتائج الانتخابات الأمريكية يشير إلى أن بكين تنظر إلى السياسات الأمريكية تجاهها باعتبارها استراتيجيات طويلة المدى، ترى فى الصين منافسا قويا وتهديدا لمكانة أمريكا الاقتصادية، خصوصا أن الصين تحافظ على المركز الثانى كأكبر اقتصاد عالمى منذ سنوات، وهو ما أكده الدكتور دينغ لونغ، وكيل كلية الدراسات الأجنبية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين، فى تصريح خاص ل«الأهرام»، حيث قال إنه لن يكون هناك تغيير كبير فى السياسة الأمريكية تجاه الصين، لأن هناك اتفاقا كبيرا بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى فيما يتعلق بالموقف من الصين والحرب التجارية، الخلاف فقط فى كيفية التعامل مع الخطر الصينى وطريقة احتواء الصين. دينج لونج وتوقع الأكاديمى الصينى المتخصص فى العلاقات الدولية أن الرئيس الأمريكى سيستمر فى تطبيق السياسة الحمائية، ولكن قد يدخل بعض التعديلات على تفاصيل هذه السياسة، حيث ستواجه ترامب تحديات أكبر، لأن الحزب الديمقراطى سيستغل أغلبيته فى مجلس النواب لعرقلة أجندة ترامب وتقييد سلطته فلا يستطيع أن يتصرف كما يشاء. ورغم أن الصين مازالت تعول على الحوار بين بكينوواشنطن فيما يتعلق بالإجراءات الحمائية، للخروج من دائرة التصعيد المتبادل منذ مارس الماضى، إلا أنه لا يمكن إغفال أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حقق شعبية كبيرة من حروبه التجارية، سواء ضد الصين أو غيرها من الدول، حيث يبدو أمام مؤيديه بصورة الرئيس القوى الذى يستطيع كسب المعارك التجارية، وإثراء الخزينة الأمريكية بمليارات الدولارات، وتوفير فرص العمل للأمريكيين، وهذه الأمور من الصعب على الحزب الديمقراطى أن يحاول تغيير سياسة ترامب فيها، لأن ذلك سيعنى صداما مع مؤيدى ترامب والطبقة العاملة الأمريكية، وهو ما لن يقدم عليه الديمقراطيون، على الأقل فى الوقت الحالى.