وسط غبار العاصفة الترابية التى هبت بضراوة، على العالم العربى بأدوات أمريكية، والتى أعلنتها كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الرئيس الامريكى الأسبق جورج بوش الابن، عقب غزو العراق ،بدأ مخطط تفتيت الوطن العربى إلى دويلات عرقية وطائفية، كما كان قد سبق وأعلن وزير الخارجية الأمريكى الاسبق هنرى كيسنجر ووصفته رايس بالشرق الأوسط الكبير.. وأظن أن المعالم الرئيسية للمخطط باستغلال الإسلام السياسى وتمزيق المسلمين بين شيعة وسنة ومسلمين وأقباط، ناهيك، عن علوى ودرزي، وغير ذلك من الطوائف التى يزخر بها الشرق الأوسط. هذا المخطط قد انكشف فى السنوات القليلة الماضية لا سيما بعد الضربة القاصمة التى سددتها له ثورة يونيو المجيدة. كان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من أبرز، إن لم يكن أبرز من التقط خيوط اللعبة، وسارع بإعلان نفسه خليفة للمسلمين السنة، وقد أغفل تماما قرون الاحتلال التركى البغيض الذى تخفى تحت وصف العثمانية!. ولا شك أن أى دارس للتاريخ يعرف تماما أن الاحتلال التركى كان وبالا علينا واستغلالا شرسا لمواردنا وثرواتنا وحصارنا فى دائرة الفقر والتخلف، بينما احتكر مواقع القيادة والحكم فى كل المجالات.. واذا كنا لا نريد البحث فى الدفاتر القديمة، فعلينا النظر بتمعن الى حاضرنا، حيث لا نحتاج لجهد لكى ندرك مدى هول المسافة بيننا وبين العالم المتقدم والذى نحاول الآن اللحاق به بتصميم وعزم وبإرادة حديدية.. هبوب رياح مغايرة الآن فى اتجاه القبض بيد من حديد على بوصلتنا الجديدة الواعدة أدى الى تصاعد حدة معاول الهدم، ولم يجد هؤلاء أكثر فاعلية من استغلال الدين الإسلامي، الذى تدين به الأغلبية الساحقة من العرب، لحفر بئر عميقة، سيغرق فيها الجميع ومن أى طائفة كانت. ويبدو أن أردوغان قد فهم الفولة وبدلا من الإفصاح عن أطماعه السياسية، التوسعية وإخضاع العالم العربى للهيمنة التركية، رفع لافتة إمام السنة!. ويطلب من الجميع مباركة تنصيبه هذا وهو يتحرك بحرية تامة بين الدول العربية السنية وبين إيران حيث الغالبية من المذهب الشيعي.. والغريب أن أردوغان يزعم أنه حامى حمى المسلمين السنة، والذين ينتظر منادتهم به خليفة، بينما القرآن الكريم أنزل باللغة العربية، وليس التركية.. وقد نستيقظ يوما لنعى فداحة الانسياق وراء مخطط إحلال الدين مكان الوطن، فنحن نصم إسرائيل بالعنصرية عن حق، لكونها تقوم على أساس الديانة اليهودية، بغض النظر عن جنسية اليهود القادمين اليها واحتلالهم أرض فلسطين.. والغريب أن أدوات مشروع التفتيت يبايعون أردوغان خليفة للمسلمين السنة بادعاء أنه الوحيد القادر على صد الزحف الشيعى الذى تسعى إيران الى تحقيقه. وأنا من هؤلاء الذين هاجمتهم إيران بضراوة، لإيمانى بعروبتي، ولست من السذاجة بحيث أتوهم أن إيران لا تسعى الى بسط نفوذها أينما استطاعت، غير أن هذا التطلع ومثله التطلع التركي، لا علاقة له بجوهر الإسلام فنحن نعيش فى وطننا العربي، سنة وشيعة، منذ قرون ولم يبرز من نبهنا الى الخلاف الذى نشب بين سيدنا على وبين معاوية، منذ نحو ستة عشر قرنا، وكأنه وقع بالأمس، وللأسف أخذ منفذو المخطط المدمر، ينفخون فى النار لتأجيج الفتنة الطائفية التى لن تبقى ولن تذر.. ولا أحد يتوقف أمام تفشى تجارة السلاح فى منطقتنا بصورة لا مثيل لها فى العالم والتى لو أنفقت الأنظمة ما ينفق عليها بإقامة مشروعات ومدارس ومستشفيات فى بلادنا، ما احتاجت أى دولة عربية لمثل هذا السلاح.. ويلح على سؤال أتمنى أن يجد جوابا منذ طرحه على شاب مصرى أبهرنى وعيه، هو..لماذا لم تُشيّع طهران ما يقرب من خمسة عشر مليون إيرانى ينتمون الى المذهب السني؟.. الصراع اذن صراع سياسى بامتياز وليتنا نطبق بعمق شعار الرئيس السيسى القائل: قوتنا فى وحدتنا. وأن ندرك أن الدين لله والوطن للجميع. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى