في قاعة جمال عبد الناصر بجامعة بيروت العربية التأم شمل الدورة الثانية للملتقى الثقافي المصري اللبناني الذي نظمته بالتعاون مع مؤسسة الاهرام، جمعية رجال الاعمال المصرية اللبنانية و الذى انعقدت دورتة الاولى منذ عامين فى القاهرة بمؤسسة الاهرام. وكان موضوع الملتقى هذه المرة هو دور الثقافة في الحفاظ على الدولة الوطنية. وعلى مدى ثلاث جلسات تحدث باحثون ومفكرون وسياسيون من مصر ولبنان في قاعة مكتظة بأساتذة الجامعة وطلابها. وكان لمكان انعقاد الملتقى دلالة مهمة، فجامعة بيروت العربية التي انشئت في عام 1960 وبقرار من الرئيس عبدالناصر مثلت علامة بارزة وفارقة في العلاقات بين البلدين. ويعود انشاء هذه الجامعة الى تطلع جمعية البر والاحسان البيروتية الى توفير خدمات تعليمية متميزة للمسلمين. فبدأت في عام 1954 في اقامة مبنى ليكون مدرسة ثانوية كبيرة وصار العمل ببطء شديد بسبب ضعف الموارد المالية للجمعية التي اعتمدت على تبرعات الموسرين. وفي هذه الاثناء قامت الجمعية باتصالات مع كل من السفير المصري في لبنان ورئيس البعثة الازهرية فيها. وكثمرة لهذه الاتصالات قام وفد منها بزيارة لمصر في عام 1957 والتقي عبدالناصر الذي دعم الفكرة وطورها بحيث يكون الهدف هو انشاء جامعة عربية لأبناء لبنان والدول العربية الاخرى. وتم افتتاح الجامعة رسميا في 7 أكتوبر 1960 في اطار علاقة اكاديمية مستمرة حتي اليوم مع جامعة الاسكندرية وكان اول رئيس لها د.علي احمد راشد (1960- 1964) وصولا الى رئيسها الحالي د.عمرو جلال العدوي. وعلى مدى العقود الستة التالية كانت الجامعة عاملا رئيسيا في اثراء الفكر العروبي والتعليم باللغة العربية ودافعا للحراك الاجتماعي في لبنان واعطت الفرصة لآلاف اللبنانيين لاستكمال تعليمهم الجامعي. شهد الملتقى مناقشات واسعة بشأن الثقافة والمثقفين واتفق المشاركون على اهمية دور الثقافة باعتبارها نسقا من الافكار والقيم والمعايير تمثل ركيزة اساسية في بناء المجتمع والدولة. فالديمقراطية والاستبداد على سبيل المثال ليستا مجرد نظما سياسية او هياكل دستورية وانما يستندان الى افكار وثقافة. وبنفس المنطق فبينما توجد ثقافة تسعى الى وحدة الدولة والسلم الاجتماعي فيها وتركز على المشتركات والموحدات. فان هناك ثقافة أخرى تسعى الى تفكيك الدول وتقسيم المجتمعات بتركيزها على اثارة النعرات الانقسامية وكل ما من شأنه اضعاف الدولة وتمزيق المجتمع. وكما توجد ثقافة تدعو للعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص واحترام الجدارة فإن هناك اخرى تبرر الظلم الاجتماعي والتفاوت الصارخ بين الطبقات وفي فرص الحياة. واتفقوا ايضا على ان المواطنة هي الركيزة الاساسية لبناء والمحافظة على الدولة الوطنية اي الدولة المدنية وانها مفهوم له ابعاد قانونية وسياسية ومعنوية. فالمواطنون ينبغي ان يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات. وألا تكون هذه المساواة مجرد نصوص قانونية وانما واقع معاش ومتحقق. وان تلتزم الدولة بمكافحة كل صور التمييز بين مواطنيها. وتزداد اهمية المواطنة في ظروف التنوع الاجتماعي والثقافي وتعدد الانتماءات الدينية والمذهبية والاثنية فتكون المواطنة اطارا يقر بهذا التنوع في داخل الوطن الواحد. فهي العروة الوثقى والفكرة الجامعة التي تربط بين ابناء الوطن فى نسيج واحد. وترتبط الممارسة العملية للمواطنة ارتباطا وثيقا بتطور الثقة المتبادلة بين المواطنين وفيما بينهم وبين المؤسسات السياسية والاجتماعية وهي اساس العمل الجماعى او المشترك بينهم ومبادرات العمل التطوعي والخدمة العامة. ويتوقف نمو رأس المال الاجتماعي على حجم تللك الثقة. وهذه نقطة مهمة اذ تشير نتائج عديد من البحوث الميدانية التى اجريت فى السنوات القليلة الماضية الى تراجع الثقة بين الافراد وفى المؤسسات السياسية والاجتماعية في الدول العربية. كما ترتبط بسيادة حكم القانون وتطبيق احكامه وقواعده من جانب الافراد والهيئات الحكومية على نحو سواء. وفي الجلسة الخاصة بدور الثقافة في مكافحة الفكر المتطرف اكد المتحدثون ان التطرف هو فكرة تنشأ في العقول قبل ان تتحول الى عنف وارهاب في السلوك وانه من الضروري بذل جهد اكبر في مجال فهم العقل المتطرف وتحديد المنابع الفكرية والاجتماعية له. وانه ينبغي ان تتضافر اسهامات أساتذة العلوم الاجتماعية مع رجال الدين في هذا الشأن. وانه من سمات الفكر المتطرف القطعية وادعاء الشمول وانه يمتلك حلا لكل سؤال وان تلك الحلول تمثل الحقيقة الوحيدة والمطلقة. ويترتب على ذلك ان يشعر المناصرون للفكر المتطرف بانهم افضل على الاخرين وبالسمو عليهم وان لهم أستاذية على العالم. وعندما تختلط هذه الافكار بالدين ويقوم بعض المنحرفين فكريا بتقديم مبررات عقيدية وفقهية لها فان الانتقال من فكر التطرف الى سلوك العنف والارهاب يصبح امرا ميسورا. وفي مواجهة هذا الفكر تم التأكيد على ان ثقافة المواطنة والدولة المدنية تنهض على الاقرار بالتعدد والتنوع الاجتماعي والسياسي وانه ليس من حق اي حزب او مجموعة سياسية ان تزعم حق احتكار الحقيقة. وضرورة الايمان بقيمة التسامح مع الآراء الاخرى المخالفة وان الجدل والحوار بين الآراء المختلفة هو سبيل الابتكار والاختراع والابداع وطريق تجديد انماط الحياة. وأنه من الضرورى تضافر جهود اساتذة العلوم الاجتماعية ورجال الدين لازالة المعوقات الاجتماعية والثقافية التى تحول دون ذلك. وكان هناك شعور عام بأن أغلب الدول العربية تمر بأزمات وتحديات جمة مما يضع كثيرا منها ضمن قائمة الدول الفاشلة او الهشة والمطلوب تجاه تلك الازمات والتحديات اعادة الاعتبار لثقافة الدولة الوطنية وشروطها ومتطلباتها والحفاظ عليها. فوجود هذه الدولة هي ضمان الديمقراطية والتنمية والعدل الاجتماعي. وتحية الى لبنان وجامعة بيروت العربية. لمزيد من مقالات د. على الدين هلال