فى اطار اهتمامها برفع مستوى الوعى لدى عمال مصر قامت منظمة العمل الدولية بإعداد دليل للمدرب فى التوعية بحقوق وواجبات العمال، ومن اللافت للنظر ان هذا الدليل فى مجموعته الاولى يؤكد أن الطريق الى الديمقراطية يبدأ بترسيخ المقومات الاجتماعية والاقتصادية والمدنية فى المجتمع باعتبارها الركيزة الاساسية لتحقيق الديمقراطية السياسية وهو ما يتسق مع نشأة الديمقراطية فى البلاد الرأسمالية فى غرب أوروبا عندما توافرت معظم هذه المقومات فأصبح للعمال القدرة فى الدفاع عن مصالحهم فى مواجهة احتكار الرأسمالية للحكم وساعدت الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمدنية على تمكين العمال من حقوقهم السياسية، واعترفت الرأسمالية حفاظا على مصالحها على المدى الطويل بحق كل فئات المجتمع فى تكوين أحزابها السياسية وتداول الحكم بوسيلة سلمية من خلال الانتخابات العامة. ويؤكد دستور مصر 2014 هذه الحقيقة فى كثير من مواده حيث يؤكد ان المقومات الاجتماعية والاقتصادية والمدنية هى افضل طريق للوصول الى الديمقراطية ويعتبر دستور 2014 افضل الدساتير التى شهدتها مصر منذ ثورة 19 بالنسبة لهذه الرؤية. ويمكن ان تتأكد لنا هذه الحقيقة فى متابعتنا لأهم المواد التى أوردها الدستور كأساس لبناء المجتمع بما طرحه من مقومات اجتماعية واقتصادية ومدنية لهذا المجتمع. وفيما يتعلق بالمقومات الاجتماعية نص الدستور على ان المجتمع يقوم على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين على النحو الذى ينظمه القانون، كما تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وفقا لأحكام الدستور، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الاشد احتياجا. كما تتضمن المقومات الاجتماعية أن العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز الزام أى مواطن بالعمل جبرا، الا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، ولمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون اخلال بالحقوق الاساسية للمكلفين بالعمل. وفى هذا الاطار تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفى العملية الانتاجية( العمال واصحاب الاعمال)، وتكفل سبل التفاوض الجماعي. وفى مقابل حق صاحب العمل فى الاستغناء عن العامل يحق للعمال الاضراب السلمى كما ينظمه القانون. وبالنسبة للمقومات الاقتصادية فان النظام الاقتصادى كما ينص الدستور يهدف الى تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتقليل البطالة، والقضاء على الفقر. ومن خلال هذا العرض الذى يتضمن ما نصت عليه مواد الدستور فيما يخص المقومات الاجتماعية والاقتصادية يتأكد لنا ان هذه المواد ترسى اساسا جيدا للمساواة بين كل فئات المجتمع وضمان تقدمه وهى امور اساسية فيما يتعلق بالقدرة على بناء النظام الديمقراطي. وهو ما تعززه المقومات المدنية للمجتمع وعلى رأسها حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع اشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحا من اى نوع، باخطار على النحو الذى ينظمه القانون، وحق الاجتماع الخاص سلميا مكفول دون الحاجة الى اخطار سابق ولا يجوز لرجال الامن حضوره او مراقبته او التجسس عليه. كما يؤكد الدستور ان انشاء النقابات والاتحادات على اساس ديمقراطى حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية، تمارس نشاطها بحرية ولا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل فى شئونها الداخلية، يستوى فى ذلك النقابات العمالية والمهنية. وفى اطار كفالة رعاية الدولة للفئات الضعيفة هناك مواد لحماية الاطفال وذوى الاعاقة والنساء. هكذا يتأكد لنا من هذه النصوص الدستورية انها تمهد الطريق لبناء نظام ديمقراطى يمارس فيه المواطنون حقهم فى التعبير عن آرائهم وانشاء منظماتهم السياسية والنقابية وانتخاب من يمثلهم فى السلطة التشريعية. ان ما جاء فى الدستور من ضمان المساواة بين المواطنين وكفالة حق العمل لهم وممارسة نشاط جماعى فى منظمات خاصة بهم يعزز قدرتهم على المشاركة السياسية سواء بالانضمام الى الاحزاب والقدرة على الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها اذا تطلب الامر، وهو ما يسهم فى اقامة النظام الديمقراطى المنشود الذى يقوم على التعددية السياسية وتداول السلطة بين مختلف الأحزاب وتشكيل الحكومة من حزب الأغلبية مع ضمان حرية التعبير والرأى واستقلال وسائل الاعلام بما يكفل مشاركة شعبية واسعة النطاق تتعدد معها الآراء تبعا لاختلاف المصالح الاجتماعية بين طبقات المجتمع وفى هذا أفضل ضمان لاستقرار المجتمع وتجنب أى اضطرابات قد تنشأ نتيجة تجاهل مصالح قطاعات من المجتمع أو عدم تمكينهم من طرح رؤيتهم لكيفية التوفيق بين هذه المصالح المختلفة فى إطار سلمي. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر