منذ نحو عام ونصف العام كان الشاب الكندي، مارتن فاسليف، 32 عاما، يعيش مع والده في منزل متواضع يستأجره ويعيش حياة عادية ليست بها الكثير من الرفاهية حتى وجد الطريق، الذي سيساعده علي الوصول لكل ما يحلم به، إنها التجارة ولكن تجارة من نوع خاص، ألا وهي «تجارة المشاهدات» من خلال موقع «يوتيوب» الشهير، التى جعلته اليوم واحدا من المشاهير وصاحب واحد من أفخم المنازل والسيارات. وجاءت شهرة فاسليف من خلال بيع المشاهدات المزيفة لموقع الفيديوهات الشهير «يوتيوب»، ولم يكلفه الأمر الكثير من الإنفاق أو المجهود بل كان يعمل من منزله حيث باع نحو 15 ألف مشاهدة خلال العام الحالي فقط ليجني منها نحو 200 ألف دولار أمريكي. «يمكنني جعل عدد المشاهدات لفيديو ما غير محدودة.. وقد حاول المختصون إيقافي عن القيام بذلك عدة مرات ولكنهم فشلوا لأن هناك دائما طريقا أخر».. هكذا تحدث فاسليف لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، التى اهتمت بإجراء حوار معه لمعرفة المزيد عن تجارته وكيفية قيامه بها حيث قال إنه لا يعمل علي زيادة نسب المشاهدة بنفسه بل أنه يملك موقعا إلكترونيا «500views.com» ويقوم من خلاله بربط العملاء بخدمة توفر المشاهدات إلي جانب خيارات أخري مثل «الإعجاب وعدم الإعجاب»، وتقوم بها الأجهزة وليس أشخاصا عادين، كما أنه حينما تفشل تلك الأجهزة عن القيام بمهمتها فانها متصلة بشكل تلقائي بأجهزة أخري تنفذ الأوامر حتى لا تتعطل. وعن بدايته يقول، أنه بحلول أواخر عام 2014، كان موقعه من أول الخيارات التى تظهر للباحثين عبر محرك بحث «جوجل» عن شراء مشاهدات لليوتيوب، وقد نجح في تنفيذ من 150 إلى 200 أمر في اليوم مما جعله يربح أكثر من 30 ألف دولار شهريا، وقال: «لم أكن أصدق أنه بإمكاني تحقيق هذا القدر من المال عبر الإنترنت». ورفض فاسليف ذكر أسماء موكليه، لكنه قال إن العديد من التكليفات جاءت من شركات العلاقات العامة أو التسويق. وجاء في دراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث منذ عدة أشهر، أن «يوتيوب» أصبح ثاني أشهر موقع بعد محرك بحث «جوجل» متفوقا علي ال «فيسبوك» و»انستجرام»، حيث اصبح الموقع المفضل والأكثر ارتيادا خاصة من قبل المراهقين حيث يحقق ال «يوتيوب» مليارات المشاهدات يوميا، مما تسبب في ظهور مهن جديدة بعدما أصبحت وسيلة للترويج للثقافات عالميا والترويج للسياحة، إلي جانب أنه أصبح مادة خصبة للإعلان عن أحدث المنتجات والأجهزة والترويج للعلامات التجارية. ويذكر أنه كما عانت مواقع التواصل الاجتماعي من الحسابات الافتراضية، التى تعمل من أجل أغراض معينة فأن ال «يوتيوب» يعاني من الأمر ذاته، ورغم أن للنظام الإيكولوجي المزيف، الذي يعتبر فاسليف جزءا منه، يشير إلى أن الآراء المزيفة لا تمثل سوى جزء ضئيل من الإجمالي علي «يوتيوب»، إلا أنها لا تزال ذات تأثير كبير من خلال تضليل المستهلكين والمعلنين. وبالرغم من أن تضخيم عدد المشاهدات يعد مخالفا وانتهاكا لبنود وخدمات موقع «يوتيوب» فإن البحث من خلال «جوجل» عن شراء المشاهدات كان السبب في ظهور مئات المواقع التي تقدم طرقا «سريعة وسهلة» لزيادة عدد المشاهدات لمقاطع الفيديو بمعدلات تتراوح بين 500 و 5 آلاف أو ربما خمسة ملايين. وبالاعتماد على عشرات المقابلات وسجلات المبيعات والمشتريات التجريبية للآراء الاحتيالية، فحصت صحيفة «نيويورك تايمز» كيف نجح السوق في اختبار قدرة «يوتيوب» على اكتشاف التلاعب والتصدي له، ولاختبار تلك المواقع، طلب مراسل الصحيفة تجميع آلاف المشاهدات من 9 شركات، وتقريبا جميع عمليات الشراء التي هدفها تعزيز عدد المشاهدات على الفيديو - غير المرتبطة بالمؤسسة الصحفية - تم إنجازها في مجرد أسبوعين. وتعد شركة ديفومي «devumi.com»، أحد تلك المواقع التي جمعت أكثر من 1.2 مليون دولار أمريكي خلال 3 سنوات، من بيع 196 مليون مشاهدة على «يوتيوب».. ولكن ما حدث مع الموسيقي وعازف الجيتار الأمريكي الشاب، عليم خالد، 25 عاما، مختلفا حيث استعان في عام 2014 بشركة «crowd surf» التسويقية، التى من شأنها الترويج للفنان وزيادة معجبيه، وبشركة «ديفومي» لزيادة عدد المشاهدات علي فيديوهات خالد، وبالفعل تراوحت المشاهدات علي 3 فيديوهات خاصين به من 11 ألف ل 42 ألف مشاهدة، وحينما علم خالد بالأمر قال انه كان سعيدا بعدد المشاهدات جدا لانه كان يظن أنها حقيقية، ولكنه حينما علم انها مزيفة أصبح يتشكك فى مصداقية كل شيء، في حين علقت كاسي بيتري، احد المؤسسين لشركة «crowd surf»، أنها كانت تظن أن شركة ديفومي تقدم مشاهدات حقيقية وليست مزيفة. ومن أكثر المواقف التى أثبتت أن شراء المشاهدات لا يأتي دائما بثماره، كان ما حدث مع الدكتورة جوديث أوبنهايمر، 78 عاما، والتى دفعت لإحدى الشركات 5 آلاف دولار للترويج لكتاب نشرته، وسجل الفيديو التابع لها أكثر من 58 ألف مشاهدة، ولكن لم تؤثر تلك المشاهدات علي زيادة المبيعات للكتاب أو الترويج له، مما جعلها تفكر في مقاضاة تلك الشركة، ولكنها ادركت انها لا تملك ما يثبت ان الشركة فعلت ذلك. ولم يختلف الأمر كثيرا عما حدث مع إليزابيث كلايتون، 77 عاما، أستاذة في اللغة الإنجليزية وعلم النفس المتقاعدة، والتي تنشر كتبا منذ نحو سبع سنوات لكنها لم تبع الكثير منها، مما دفعها للجوء لأحدي الشركات للتعريف بأعمالها المنشورة في الشعر حيث دفعت مبلغا قدره 4200 دولار مقابل الترويج عبر الإنترنت، بما في ذلك 40 ألف مشاهدة مضمونة على موقع يوتيوب ستترجم إلى مبيعات، كما دفعت 8400 دولار أيضا للترويج لمقطعين من مقاطع الفيديو، ولكن للأسف ظلت مبيعاتها كما هي، فقد كانت كلايتون تظن ان تلك الشركة تنشر الفيديوهات علي مواقع عدة مما يزيد من عدد المشاهدات وليس أن الشركة تصنع مشاهدات مزيفة. وتعليقا علي هذا، تقول مديرة إدارة «يوتيوب»، جينيفر فلانير أوكونور، إن تلك المشكلة يعمل عليها موقع الفيديو الأكثر شهرة منذ سنوات عدة، مشيرة إلى أن النظام الأمني للموقع يراقب بشكل آلي نشاطات الفيديو، مضيفة أن فريق مكافحة الاحتيال، يشتري أحيانا من مواقع رفع المشاهدة للتعرف على تلك العملية ومكافحتها، قائلة: «إن نظام التقاط الأخطاء الذي نمتلكه جيدا للغاية»، ويعلق خبراء الإحصاء وعلماء البيانات بأن قدرتهم علي محاربة تلك المشكلة ذات «الصعوبة البالغة» في تحسن، لكن الهجمات «أصبحت أكثر قوة وأكثر تعقيدا».