ألقى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماءالمسلمين، أمس، الكلمة الرئيسية فى افتتاح أعمال الندوة الدولية «الإسلام والغرب.. تنوعٌ وتكاملٌ» التى ينظمها الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، بمركز الأزهر الدولى للمؤتمرات بمدينة نصر، بمشاركة عددٍ من المفكِّرين والشخصيات العامة من أوروبا وآسيا، ونخبة من القيادات الدينية والسياسية والفكرية ورؤساء جمهوريات وحكومات سابقين من مختلف دول العالم. وتبحث الندوة، على مدى ثلاثة أيام، القضايا المعاصرة المتعلقة بالعلاقة بين الإسلام وأوروبا. وأشار فضيلته إلى أن الشرق أديانًا وحضاراتٍ، ليست له أيَّ مُشكلة مع الغرب، سواء أخذنا الغرب بمفهومِه المسيحى المتمثل فى مؤسساته الدينية الكبري، أو بمفهومِه كحضارة علمية مادية، وذلك من منطلق تاريخ الحضارات الشرقية ومواقفها الثابتة فى احتِرام الدين والعِلم أيًّا كان موطنهما وكائنًا من كان هذا العالِم أو المؤمن. وأوضح شيخ الأزهر أن انفِتاح الأزهر الشريف على كل المؤسسات الدينية الكبرى فى أوروبا حديثًا، والتجاوبُ الجاد المسئول من قِبل هذه المؤسسات الغربية -أقوى دليل على إمكانية التقارُب بين المجتمعات الإسلامية فى الشرق والمجتمعات المسيحية فى الغرب، وأنَّ هذا التقارُب حَدَثَ ويُمكِن أنْ يحدث. كما أكد الإمام الأكبر أن مناهج الأزهر بأصالتها هى التى (تصنع العقل) الأزهرى المعتدل فى تفكيره وسلوكه، والقادر دائمًا على التكيُّف مع العصر وإشكالاته ومعطياته. وأشار إلى أن جامعة الأزهر، الجامعة الوحيدة التى تعتز بدراسةِ التراث الإسلامى جنبًا إلى جنبِ المناهج التعليمية الغربية الحديثة فى كليات الطب والهندسة والصيدلة والعلوم والزراعة وغيرها - هذه الجامعة بها كلية لتعليم اللُّغات الأجنبية، وتدريسِ آدابها فى أقسام علميَّة مختلفة. وقال :من يشرفنا بزيارة لكلياتنا الأزهريَّة العريقة فى حَيِّ الأزهر القديم يرى معهدًا لتعليم طلابنا الذين هم شيوخُ المستقبل، اللُّغاتِ الأوروبيةَ، وإعدادِ المتفوقين منهم للدراسات العُليا فى جامعات أوروبا، وهذا المعهد يشترك فى إدارته والإشراف عليه المركزُ الثقافى البريطاني، والمركزُ الثقافى الفرنسي، ومعهدُ جوته الألماني، تحت مظلَّة مشيخة الأزهر الشريف وأضاف أن هذه هى مناهج الأزهر بأصالتها وانفتاحها الواعى على الحكمة أنَّى وُجِدَت، هى التى (تصنع العقل)الأزهرى المعتدل فى تفكيره وسلوكه، والقادر دائمًا على التكيف مع العصر وإشكالاته ومعطياته. وأوضح الامام الاكبر ان هناك أمرا آخر قد يخفى على كثيرين فى أمر العلاقة بين الشرق والغرب؛ هو أن كثيرًا من المظاهر الثقافية والحضارية الأوروبية متغلغلٌ اليوم فى عُمق ثقافتنا الشرقية، فى شتَّى ميادينها السياسية والتعليمية والاجتماعية والفنية، وأن الاختلاف بين الثقافتين يكاد يكون محصورًا فى مجال الدِّين والعقيدة وما يرتبط بهما من قيم وتقاليدَ تاريخية وثقافية، لا مفرَّ منها لأى شعب من الشعوب، أو أمة من الأمم تحرص على ثقافتها وتحميها من العُدوان والذوبان والاندثار. وأضاف أن هناك مشكلة تكمُن فى هذه القُوة العالمية التى يملؤها الشعور بالغَطْرَسة وبحَقِّ السيطرة على الآخرين وتسخيرهم لتحقيق مصالحها ومنافعها الخاصة، وهذه هى عين الذرائع التى برَّر بها الاستعمار انقضاضه على مقدَّرات الشعوب وثرواتها. وفى نهاية كلمته قال الإمام الأكبر :أرجو ألَّا يُفهم من كلامى أنى أُنحى باللائمة كلِّها على الغرب وحضارته، ففى الشرق أيضا عيوب وسَلبيات، أسهَمَت فى تأكيدِ ظاهِرَة الخوف من الإسلام التى انتَشرت مؤخرًا بين جماهير الغرب، ومن أخطرِ هذه العيوب هو هذا الصَّمت المريب عن الإرهاب الذى مَكَّنَ للحركات السياسية المسلحة من الرَّبطِ بين الإسلام وبين جرائمها الإرهابيَّة، وإطلاقِ أسماءٍ دينيَّة على مُنظَّماتها، استقطبت بها كثيرًا من الشباب والشابات الذين غرَّهم هذا المظهر الدينى الخادِع.. حتى استَقر فى أذهانِ الغالبية من الأوروبيين والأمريكان أن العنف والإسلام توءمان ورضيعا لِبان لا يُفارِق أحدهما الآخر إلَّا ريثما يَلتصِق به من جديد. حتى بات من الصَّعب توضيح الحقيقة للغرب والغربيِّين، وأنَّ هذا الدين مختطفٌ بالإكراه لارتكاب جرائمَ إرهابيَّة بَشِعة ،وأنَّ المسلمين الذين يوصفون بالعُنف والوحشية هم دون غيرهم- ضحايا هذا «الإرهاب الأسوَد»، وأن تعقب أسباب الإرهاب، والبحثَ عن علله القصوى ليس محله الإسلامَ ولا الأديان السماوية، أما محله الصَّحيح فهو الأنظمة العالميَّة التى تُتاجر بالأديان والقيم والأخلاق فى أسواق السلاح والتسليح وسياسات العُنصرية البغيضة والاستعمار الجديد. من جانبه قال إيف ليتريم، رئيس الوزراء البلجيكى السابق، إن هذه الندوة تستهدف تعزيز التعاون المشترك وتقريب وجهات النظر، وترسيخ ما جاءت به الأديان السماوية الثلاثة: «اليهودية والمسيحية والإسلام» من دعوة للتعارف ونبذ العنف ومواجهة الأفكار المغلوطة. وأشار رئيس الوزراء البلجيكى السابق، إلى أن الغرب يعلم أن الإسلام رسخ للديمقراطية والمساواة،مؤكدًا أهمية أن يكون الحوار معتمدًا على دعم القيادات السياسية والدينية والاجتماعية بما يضمن تحقيقه لنتائج عملية، موضحا أن هناك عدة عوامل أدت لزيادة التعصب الدينى فى الفترة الأخيرة،ولا حل لهذا التعصب سوى التعليم والتثقيف، والاعتماد على مشروعات ملموسة بين القيادات الدينية يسهل تنفيذها على أرض الواقع. ومن جانبه قال رجب ميداني، رئيس جمهورية ألبانيا الأسبق، إنه توجد حقيقتان متعارف عليهما فى التعامل مع المهاجرين، هما الاستيعاب والاندماج، فالاستيعاب يولد نوعًا من العزلة ما يخدم التطرف، بالإضافة إلى انتشار البطالة وصور التمييز، وهو يولد انقسامًا اجتماعيا. وأشار الرئيس الألبانى الأسبق إلى أن الحقيقة الثانية هى الاندماج، وهو طريق مزدوج تتبادل فيه ثقافات الأغلبية والأقلية التأثير دون أن يتخلى كل طرف عن هويته، وهى أفضل حل لخلق نموذج معاصر، مضيفا أنه علينا أن نستبدل فكرة الاندماج بالاستيعاب، من خلال توفير فرص للمهمشين لضمان التلاحم الحقيقى بين الأفراد بدون تمييز. وفى كلمته قال فيليب فويانوفيتش، رئيس دولة الجبل الأسود (مونتينيغرو) السابق، إن الإسلام هو ثقافة وحضارة تقوم على رفض العنف واحترام الآخر، مؤكدًا أن رسالة الإسلام المتمثلة فى القرآن الكريم وسيرة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) المتسامحة تعلمنا أن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا. وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين، مستشار شيخ الأزهر لشئون مكتبة الأزهر الجديدة خلال كلمته ، إن إسهامات المسلمين أثرت الحضارة الأوروبية، وتركت بصمة فى ما زالت مستمرة فى تلك الحضارة،وأضاف أن الخوف النفسى لدى بعض الأوروبيين من الإسلام هو نتيجة للأعمال الإرهابية التى يرتكبها متطرفون يتبعون تفسيرات خاطئة للدين الإسلامي، داعيًا إلى ضرورة التفريق بين الجماعات المتطرفة وبين المواطنين المسلمين الموجودين بأوروبا وكذلك المهاجرون إليها، وألا يوضع الكل فى سلة واحدة.