لم تنكر ألمانيا يوما مسئوليتها التاريخية عن ما حدث لليهود خلال الحقبة النازية.. حيث وقعت العديد من المعاهدات التى دفعت بمقتضاها تعويضات مالية ضخمة لضحايا الهولوكست ..واعترفت بحق إسرائيل فى الوجود.. وأصبحت خلال أعوام ليست بالقليلة أهم شريك تجارى لإسرائيل بعد أمريكا. ولكن الإرث النازى الذى تحمله ألمانيا «دون رغبتها» تجاه اليهود..لم يمنعها من أن تدين اعتداءات إسرائيل المتكررة على الأراضي الفلسطينية والإعلان عن رفضها المطلق للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. العلاقات السياسية بين تل أبيب وبرلين واجهت العديد من المنحنيات وخالفت كل التوقعات التى كانت تشير إلى أن ألمانيا سوف تكون المؤيد والداعم الرئيسي لإسرائيل فى صراعاتها بمنطقة الشرق الأوسط وذلك تكفيرا عن ما قامت به الحقبة النازية فى حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية ولكن الواقع جاء مغايرا تماما لهذه التوقعات بل وصادما فى أغلب الأحيان. ولعل قرار برلين بتجميد لقاء حكوماتها الدورى بحكومة تل أبيب عقب قيام الثانية ببناء المزيد من المستوطنات فى أوائل عام 2017 كان صادما بكل المعايير ليس لبنيامين نيتانياهو فحسب بل لجماعات الضغط اليهودية المنتشرة فى ألمانيا.. فقد استطاعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسياسة متوازنة التخلص شيئا فشيئا من عقدة الذنب التاريخية قدر المستطاع, ومحاولة الإثبات لأصدقائها فى الشرق الأوسط أن مواقفها السياسية تأتى مستقلة ولا تخضع لأية حسابات. وكان قرار برلين بتجميد المشاورات المنتظمة مع حكومة تل أبيب منذ ما يقرب من عامين قد جاء اعتراضا منها على تصويت الكنيست على قانون يسمح لإسرائيل بتملك أراضى جديدة فى فلسطينالمحتلة.. فيما وصفه المراقبون ببداية منحني خطير منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1965. ولم تقف قرارات ألمانيا ومواقفها تجاه السياسة الإسرائيلية عند هذا الحد حيث أعلنت ميركل عن رفضها اعتبار القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل وأكدت التزامها المطلق بقرارات الأممالمتحدة بشأن القضية الفلسطينية..وهنا يقول المراقبون أن مواقف نيتانياهو المتعنتة والمدعومة من ترامب زادت الأمر تعقيدا بالنسبة للمستشارة الألمانية ميركل التى تعتمد في سياستها الخارجية على ثوابت من أهمها عدم التفريط بمصداقيتها والالتزام بالمواثيق الأممية والدولية وبالوعود التي تقدمها. لقد أدركت ألمانيا أنها يجب أن تلعب دورا يتناسب مع وزنها السياسي والاقتصادي دوليا وفي منطقة الشرق الأوسط، وكان هذا واضحا من خلال توجه ألمانيا لإخراج دول أوروبا من مظلة الحماية الأمريكية. إن ما تحتاجه ألمانيا خلال هذه المرحلة كما يؤكد المراقبون أن تظهر قوة دولية مؤثرة في لعب دور سياسي أكثر في حل الصراعات الدولية، والتى تأتى على رأسها القضية الفلسطينية والتى تمثل جوهر الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وأن تعمل على ألا تخسر دورها كطرف محايد في حل هذه النزاعات.