قد يعنى عام 1943 الكثير للعلاقات المصرية الروسية باعتباره شاهدا على بدء العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.. إلا أن علاقات البلدين أقدم تاريخيا من هذا لاسيما فى جانبها الثقافي. وبمرور الزمن تطورت العلاقات بين البلدين حيث شهدت فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى طفرات مميزة وصعودا فى منحنى علاقات البلدين.. لكن مافتئت حتى تراجعت فى سبعينيات القرن العشرين وكذلك فى ثمانينياته.. وعلى الرغم من فترات الصعود والهبوط هذه إلا أن الشواهد التاريخية تؤكد متانة العلاقات بين البلدين، لاسيما فى لحظات الحسم التاريخية، ونشير فى هذا الصدد على سبيل المثال وليس الحصر الى الإنذار الذى وجهه الاتحاد السوفيتى عام 1956 لدول العدوان الثلاثى على مصر لوقف الاعتداء عليها، وقبل مرور 48 ساعة من صدور الإنذار اعلنت كل من بريطانيا وفرنسا وقف الحرب. لم يكن هذا الموقف هو الوحيد الذى ساندت فيه موسكوالقاهرة فى أزماتها ،ففى كل مرة واجهت مصر تعنتا من الغرب كان الدعم يأتى لها من الشرق. وهنا تبرز الإشارة الثانية وهى الموقف الروسى من مشروع السد العالي، وكذلك خلال بناء حائط الصواريخ فى إطار الاستعدادات لحرب أكتوبر 73. فى المقابل كانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية عقب انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991. مثلما كانت الباب الأول والأوسع الذى من خلاله أصبح لموسكو حضور فى الشرق الأوسط والوطن العربى منذ منتصف الخمسينيات عبر ما عرف حينها بصفقة الأسلحة التشيكية.. وفى السنوات الأخيرة بدا واضحا أن موسكو أقرب إلى القاهرة فى الاختيارات والمواقف من عواصم كبرى أخري، وكان هذا واضحا على المستوى الشعبى حيث لم تشر يد واحدة إلى تورط أو مباركة روسيا أيا من مخططات الاستهداف والتقسيم لأى من دولنا العربية بما فيها مصر.. لكن هذه الإيجابية فى العلاقات كانت أكثر وضوحا مع ثورة 30 يونيو عام 2013 وتولى قيادة جديدة فى مصر تؤمن بأهمية العلاقات المصرية الروسية.. حيث شهدنا وبحق عودة الروح لتلك العلاقات، فكانت اللقاءات المستمرة بين قيادتى البلدين فى القاهرةوموسكو وعلى هامش المؤتمرات والمنتديات الدولية.. وكذلك كانت صيغة 2+2 عنوانا فى علاقات الجانبين (اجتماع وزيرى الدفاع والخارجية فى البلدين). ومصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تبنت روسيا معها تلك الصيغة، والسادسة على مستوى العالم، مايعكس خصوصية العلاقات الاسترتيجية بين البلدين. واقتصاديا.. اتسمت العلاقات بين مصر وروسيا فى الماضى بالطابع التجارى دون الاستثمارى لاسيما أن الميزان التجارى يميل لصالح روسيا بشكل كبير مع وجود استثمارات محدودة فى مصر حينها. ليكون الحدث الأهم واللحظة الفارقة فى مسيرة هذه العلاقات فى عام 2017 حيث شهدت العلاقات المصرية الروسية تطورات بالغة الأهمية بالتزامن مع زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للقاهرة، وهى الزيارة التى حسمت عددا من الملفات العالقة أبرزها توقيع عقد مشروع محطة الضبعة النووية، وهو المشروع الذى يعتبره العديد من الخبراء بمثابة سد عال جديد ليس فقط لقدرته على توليد الكهرباء، ونقل تكنولوجيا غاية فى التطور، بل للمنظومة المتكاملة التى يتبعها من خدمات وصناعات تكميلية، تتطلب خبرات ومهارات الآلاف من العلماء والمهندسين والفنيين. كما تم خلال هذه الزيارة أيضا الاتفاق على إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمحور قناة السويس، وتم الانتهاء من الخطة الرئيسية للمشروع وسلمها الجانب الروسى للجانب المصري، حيث يتكلف إنشاء هذه المنطقة فى مرحلتها الاولى 190 مليون دولار، وتبلغ إجمالى الاستثمارات فيها 7 مليارات دولار توفر أكثر من 35 ألف فرصة عمل. بالإضافة الى ذلك كان قرار عودة الرحلات الجوية بين القاهرةوموسكو بعد توقف دام نحو سنتين على خلفية تحطم طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الروسية فوق سيناء عام 2015. كما شهد عام 2017 إجراء التدريبات المصرية الروسية المشتركة حماة الصداقة والتى شاركت فيها قوات المظلات من كلا البلدين. وفى سياق العلاقات الاقتصادية والتجارية أيضا ارتفع معدل التبادل التجارى بين البلدين الى أعلى معدلاته عام 2017 مسجلا 3.8 مليار دولار، وزادت الصادرات المصرية لروسيا بنسبة 27.3% فى العام ذاته، كما بلغت الاستثمارات الروسية فى مصر 62.9مليون دولار. تحولات عدة شهدتها العلاقات بين القاهرةوموسكو, لكن العنصر الحاسم فيها وبحق هو ربط مصالح شعبى البلدين، وجعل هذه المصلحة هى اللغة الأساسية لتلك العلاقات بما يضمن لها الديمومة وعدم التأثر بأى متغيرات السياسة. لمزيد من مقالات ◀ عز الدين شاهين