اني أسألك وأنت طبيبة مثقفة وواعية: ألم تدركي منذ الأيام الأولي لزواجك أن حياتك مرشحة للانهيار في أي لحظة؟..ثم لماذا سعيت لإنجاب طفلة ثم الحمل في آخر خلال عامين فقط؟.. أنا طبيبة عمري26 عاما, تربيت في أسرة شبه مفككة, وإن بدت للآخرين مستقرة. فأبواي في خلاف مستمر, ولم يعرف الهدوء إليهما سبيلا.. أبي عصبي ويفرض رأيه بالصوت العالي, وأمي تبدو دائما حزينة مغلوبة علي أمرها, ولا تملك من أمرها شيئا وتخضع له خضوعا تاما.. وفي هذا الجو المشحون بالتوتر اعتمدت علي نفسي, وكونت شخصيتي المستقلة, وتفوقت في دراستي, والتحقت بكلية الطب وعشت أجمل أيام عمري, ولم يشغل تفكيري سوي التفوق والنجاح, وتخرجت وعملت في مستشفي قريب منا, وسارت حياتي بين البيت والمستشفي, وتقدم أكثر من شاب لطلب يدي وعشت معاناة رهيبة بين القبول والرفض, ولم أجد من يعينني علي أمري, فلقد ترك لي أبي حرية الاختيار واتخاذ القرار.. أما أمي فألحت علي بقبول الزواج ممن تتوافر فيه الطيبة والخلق الحميد وحسن المعاملة, وحسمت صراعي الداخلي بالموافقة علي شاب تخرج في كلية عملية, استشعرت فيه الحنان, وإن لم أشعر نحوه بأي عاطفة, كما توسمت فيه القدرة علي احتوائي, وقد جلس معي في حضور والدتي, وشرح لي ظروفه بأنه يعمل في القطاع الخاص ويتقاضي مرتبا كبيرا, وخطب فتاة قبلي ولكنه فسخ الخطبة بعد شرائهما عفش الزوجية وتشطيب الشقة ولم يكمل زواجه منها بعد تأكده من أنهما علي خلاف مستمر في كل شيء.. ووضع أمامي ظروفه وهو يتمني أن أوافق عليه, فلم أتردد في قبوله وتزوجنا وحولت الشقة بأثاثها البسيط إلي قصر كما قال لي من زاروني. ولم تمض أسابيع حتي اكتشفت أن مرتبه لايكفي متطلبات الحياة الأساسية وأن ما قاله لي عن أنه سوف يعطيني مصروفا خاصا لي باعتبار أنه مسئول عني وعن أسرته ولن يأخذ من مرتبي مليما واحدا.. كل ذلك كان مجرد كلام سرعان ما تبخر, ووجدتني أصرف مرتبي بالكامل علي البيت, وعرفت أسرتي ذلك, فلم يفاتحه أحد في شيء, وساندوني بكل ما استطاعوا, وسعوا إلي أن يجعلوه فردا منهم, لكنه قابل عطاءهم بجفاء, بل وابتعد أهله عنا, ولم يسأل أحدهم عن أحوالنا أبدا,, ولم أستغل موقفهم في تحريضه علي الابتعاد عنهم, بل شجعته علي أن يكون قريبا منهم, وأن يزورهم ولا يقطع صلة رحمه بأي حال.. ومرت شهور عديدة, ثم حملت في طفلتي, وأبلغهم بحملي, لكنهم تجاهلوني ولم يسألوا عني ولو حتي باتصال تليفوني للاطمئنان علي صحتي, واستمرارا لموقفي الذي لايحمل ضغينة لأحد, حرصت علي زيارتهم كلما تيسرت لي الظروف.. ثم تكرر موقفهم الغريب معي حتي بعد أن وضعت طفلتي.. وفكرت كثيرا في أسلوب معاملتهم الجافة لي, فلم أجد سببا له, لقد وصل الأمر إلي أن حالة ابنتي الصحية تطلبت إجراء جراحة عاجلة لها في مستشفي قريب من منزل أسرته, ولكن لم يفكر أي منهم في السؤال عنها ولو بكلمة تجبر الخاطر! وبمرور الأيام تكشفت لي حقائق لم أكن أعرفها, فزوجي يعيش في عباءة أمه ولا يفعل شيئا قبل الرجوع إليها حتي طلبات المنزل, كما أنه بخيل جدا, ويعمل حسابا لكل مليم, ولو كان لضرورة كالطعام فهو يتصرف بما تمليه عليه أمه, وربما تقول لي ياسيدي إن الرجال يحبون أن تكون زوجاتهم مثل أمهاتهم.. فأرد عليك بأن زوجي أوهمني قبل الزواج بأنه لايريدني نسخة من أمه وأنه لن يفرض علي شيئا تجاهها.. ولكن موقفه تغير تماما, وأصبح يقضي أيام الاجازات معها من الصباح وحتي حلول المغرب, ولا يتحمل أعباء الرجولة, فلا يكلف نفسه عناء إحضار طلبات البيت إلا بإلحاح شديد, ولك أن تتخيل منزلا به أم وطفلة يظل أياما عديدة بدون أساسيات الإفطار, ولم يدخل علينا بأي شيء لإبنته حتي ولو لعبة صغيرة, ويتذمر عندما أطلب منه أي طلب, ويريد أن يتحكم في بكل ما أوتي من قوة, وأن يلغي شخصيتي.. هل تتخيل أن الأمر وصل به إلي حد تجاهلي وأنا أصرخ من شدة الألم, فيدخل إلي الحجرة المجاورة, ويتركني وحدي, لكي أتصل بأهلي فيأتون لنقلي إلي الطبيب. إن زوجي خدعني وأوهمني بالحب والحنان والطموح في العمل, لكني لم أجد منه سوي الكره والجفاء والجحود والكسل والتراخي في العمل, إذ أنه ترك عمله منذ أربعة أشهر, ولم يلتحق بأي عمل آخر, ولم يفكر كيف ستمضي بنا الحياة, ومن أين سيصرف علي البيت, وكل ما يفكر فيه هو أن أتولي مصروفات البيت كاملة أو أن أذهب إلي أهلي ويذهب هو الآخر إلي أهله.. ونسي أنه المسئول عن متطلباتنا في كل الأحوال. وإزاء ذلك اتفقنا علي أن أعيش مع أسرتي طوال شهر رمضان, وحملت طفلتي ولم أقل لهم شيئا سوي أنني طلبت من زوجي أن أكون معكم في هذا الشهر الكريم, وأنه وافق علي طلبي, وانتظرت أن يزورني ولو من باب الاطمئنان علي إبنته فلم يفعل كما أنني حامل في الطفل الثاني, ولكنه غير مهتم بأمري ولا بأمر أولاده! وبعد عامين من زواجي منه أجدني قد وصلت إلي ذروة المعاناة والحرمان, المعاناة مع زوج أثق بنسبة كبيرة أنه مريض نفسيا, وهو حافظ مش فاهم.. حافظ أن الرجولة تعني الزعيق في زوجته, ومضايقتها.. ومش فاهم أن قوامة الرجل بما أنفق ورعايته زوجته وأبنائه وإحساسهم بالأمان إلي جواره واحتوائه لهم. إنني مازلت في منزل أسرتي وأعيش في حرمان عاطفي ومادي وأسري أو قل زوجة مع إيقاف التنفيذ.. فهل أتقبل حياتي بهذا الحرمان أم أنفصل في أمان واحترام لكي أحمي أبنائي مما مررت به من عصبية الأب وانهيار الأم.. أم ماذا أفعل؟ {{.. وأقول لكاتبة هذه الرسالة: لقد وافقت علي الارتباط بزوجك بناء علي حسابات خاطئة.. وكذلك هو تقدم إليك طالبا يدك متوهما أنك طريقه إلي السعادة! فأنت أمليت عليه شروطك التي تصورت أنها ستكفل لك الاستقلال عن أسرته, وسيكون لك عالمك الخاص, ولن يستطيع أن يفرض عليك قرارا, أو يتخذ موقفا مغايرا لما تذهبين إليه, من باب أنك طبيبة ولك وضع خاص في أسرتك. وهو تظاهر بقبوله شروطك واملاءاتك لكي يفوز بك, متجاهلا أن وضع النقاط علي الحروف منذ البداية هو الضمان الأساسي لقيام زيجة ناجحة, فسياسة التعمية وعدم الوضوح في حديثه معك هي التي أدت إلي ما أنتما فيه الآن من شقاق وخلاف, بمعني أنك اشترطت كما توحي كلمات رسالتك ألا تكون لك علاقة بأهله وأمه علي وجه التحديد, وأحست هي بذلك أو ربما أوعز إليها بما كان منك, فنشأت مشكلة مكتومة بينك وبينها, واتخذت موقفا معاديا ضدك, بدليل أن أحدا من أفراد أسرته لم يفكر في زيارتكم منذ الزواج, وظلت العلاقة بينكم فاترة, لا هي بالموصولة, ولا بالمقطوعة. لقد أردته يا سيدتي لك وحدك حتي انك تستكثرين عليه زياراته لأمه في أيام الاجازات, ولم تحاولي أن تتبيني أو ربما أنك تتجاهلين السبب الذي يجعله عازفا عن الوجود في المنزل كما انني لم أفهم ما قلته من أنه لا يحضر أساسيات طعام الافطار بالأيام, فالمتعارف عليه هو أن شراء احتياجات الأسرة ولوازم المنزل من مهام الزوجة وليس الزوج إلا في حالات خاصة كالمرض, أو وجود وقت فراغ لديه لا يتوافر لديك.. إلي غير ذلك من الأسباب, فليست هناك قاعدة محددة في مثل هذه المسائل, وفي كل الظروف لايمكن أن يكون ذلك مبررا لافتعال الأزمات. مشكلتك يا سيدتي أنك تتعالين علي زوجك, وترين أنه أقل منك مستوي وهذا التفكير الخاطيء كفيل بهدم الأسرة في أي لحظة. ثم اني أسألك وأنت طبيبة مثقفة وواعية: ألم تدركي منذ الأيام الأولي لزواجك أن حياتك مرشحة للانهيار في أي لحظة؟.. ثم لماذا سعيت لإنجاب طفلة ثم الحمل في آخر خلال عامين فقط؟.. الواضح أنك إذا استمررت علي هذه الحال فسوف تنجبين المزيد من الأولاد دون وعي أو ادراك, ثم تشكين من عبء الأسرة وانصراف زوجك عنك, وحرمانك المادي والعاطفي! والحقيقة أنه إذا كان زوجك يعاني متاعب نفسية كما تفسرين حالته, فإنك أنت الأخري أسيرة المرض نفسه, واعتقد أن دافعك لهذا التفسير هو ميراثك من التفكك الأسري, فجعلت زوجك جلادا مثل أبيك. وصنعت من نفسك الضحية مثل أمك دون أن تشرحي أسبابا مقنعة لهذا التصور الذي تعممين فيه حالة والديك علي حالتك وحالات الآخرين. إن هناك سرا مكتوما في داخلك وتفاصيل كثيرة تجاهلتها, وكان من الضروري أن تذكريها لكي يكون الحكم علي موقفك وموقف زوجك حكما أقرب إلي الصحيح, وعلي أي حال مازال بالإمكان تدارك ما فات بشرط اللين في التعامل وبناء أرضية جديدة مشتركة مع زوجك, إذ انني لم ألمس خلافا جوهريا بينكما تستحيل معه العشرة, وإنما كلها عوامل نفسية وسلوكية من السهل التغلب عليها. وليعلم زوجك أن المرأة قد تغفر القسوة والظلم, ولكنها أبدا لا تغفر اللامبالاة بها علي حد تعبير جان جاك روسو وأقول له: لقد انصرفت إلي نفسك, ونسيت أن في كنفك أسرة تحتاج إلي الرعاية والحنان.. وهذه الطريقة التي تتعامل بها مع زوجتك فيها استهتار كبير بشأنها, ولا شيء يعذب المرأة أكثر من تجاهل زوجها وعدم رعايته لها.. وبغير سعادة المرء في بيته لن تتحقق الحياة الزوجية المستقرة. فلتكن المصارحة والمكاشفة وسيلتكما لتضميد جراحكما, وسوف تعيدان معا بناء ما تهدم من علاقتكما, وتواصلان السعي والكفاح, والمضي نحو الاستقرار والسعادة بإذن الله.