يمكن فهم المنطق وراء فرض شروط للتعاون، أو المساعدة، فى أى من المجالات، إلا عندما تتعلق هذه الشروط بحياة بشر. فقد أثمرت النزعة الإنسانية الحديثة التى انتشرت فى العالم تدريجياً، منذ أن وُضعت بذورها الأولى فى عصر التنوير الأوروبي، تقاليد تفصل بين المسائل المتعلقة بمساعدة البشر وإنقاذهم، وتلك التى تتصل بالعلاقات السياسية والاقتصادية، وغيرها. لم يعد مقبولاً، على سبيل المثال، أن تمتنع حكومة دولة عن مد يد المساعدة إلى بلد مجاور، فى حالة وقوع كارثة طبيعية, لمجرد أن علاقاتها مع حكومته سيئة. أصبح التعاون من أجل إنقاذ بشر يحتاجون مساعدة مستقلاً عن طبيعة العلاقات بين الدول. غير أن النزعة الإنسانية، التى أثمرت هذه التقاليد وغيرها فى مجالات شتي، تتراجع فى عالمنا. التفسير الشائع لهذا التراجع يربطه بالميول القومية المتطرفة والشعبوية، ويُحَّملها المسئولية عن إضعاف النزعة الإنسانية فى كثير من الدول الغربية. وهذا تفسير صحيح، رغم أن التراجع ظاهر فى مواقف كثير ممن يرفضون التوجهات القومية المتطرفة والشعبوية، لأنهم يتأثرون بالأجواء التى خلقتها، ويخافون مزايداتها على مواقفهم. ويظهر هذا الأثر مجدداً الآن عندما تربط الإدارة الأمريكية، وحكومات أوروبية، أى تعاون للمساعدة فى عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتُعلقه على إطلاق عملية تسوية سياسية تؤدى إلى نتيجة معينة. وإذا كان ممكناً فهم ربط التعاون فى عملية التسوية نفسها بشرط أو آخر، فالأمر مختلف تماما بالنسبة إلى المشاركة فى إعادة لاجئين إلى بلدهم. ويختلف موقف هذه الحكومات الغربية عن رؤية المفوضية السامية لشئون اللاجئين. ترى هذه المفوضية ضرورة توفير المقومات اللازمة لعودة اللاجئين أمنياً وقانونياً واقتصادياً. وهذا منطقي، ولا يعتبر شرطاً بخلاف موقف الحكومات الغربية التى تجعل التسوية السياسية بالطريقة التى تريدها شرطاً للتعاون فى إعادة اللاجئين السوريين. والحال أن هذه التسوية مهمة بطبيعة الحال، ولن تخرج سوريا من أزمتها، ولا من حالة الحرب، دون إطلاق عملية تسوية تفتح الباب أمام أوسع مشاركة فى إعادة صياغة الأوضاع فى البلاد. لكنها لا يصح أن تكون شرطاً للمساعدة فى عودة لاجئين تتوافر امكانات رجوعهم، أياً تكن أعدادهم. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد