جاءت زيارة السيد الرئيس السيسى إلى أوزباكستان فريدة من نوعها ليس فحسب لكونها الزيارة الأولى لرئيس مصرى إلى هذا البلد التاريخى وإنما لأن الزيارة تأتى فى توقيت تشهد فيه منطقة وسط آسيا وتخوم بحر قزوين تغيرات وتفاعلات قد تكون غير مسبوقة. وأوزباكستان هى دولة إسلامية من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق بتعداد يناهز 32 مليون نسمة ومساحة تقترب من 450 ألف كيلو متر مربع وتشترك حدودها مع كل من أفغانستان، كازاخستان، كريجستان، طاجيستان وتركمنستان. وهى دولة بلا سواحل أو موان رئيسية باستثناء سواحل على الشواطئ الجنوبية لبحر أورال . وتضم مدنها الكبرى مثل العاصمة طشقند ومدينة سمرقند تحفاً معمارية من أروع أعمال العمارة الإسلامية وفنون النسج والخزف والإبداع . ومن اللافت للنظر النمو المطرد للناتج المحلى فى أوزباكستان على مدى السنوات السبع الأخيرة والذى كان متوسطه 7.7% سنويا بل وصل إلى 9.8% فى الربع الثالث من العام الماضى وهذا ينعكس بدوره على زيادة متوسط الدخل وتقليل نسبة البطالة. وتمثل زيادة الاستثمارات وإن تباطأت قليلا فى عام 2017 القاطرة الحقيقية للنمو الاقتصادى الذى تشهده البلاد. ويمثل القطاع الزراعى ركناً ركيناً فى اقتصاد اوزباكستان بمحاصيل عدة وعلى رأسها القطن وتشكل نحو 15 % من صادرات البلد و تستوعب قرابة ثلث قوة العمل. والقطن الأوزبكى ليس كنظيره المصرى طويل التيلة وانما هو قصير ومتوسط التيلة وتسعى مصر مؤخرا لاستقدامه الى جوار القطن المصرى ذى الجودة العالمية. وبذا فإن هناك فرصا عديدة للصادرات المصرية الزراعية بصفة عامة للأسواق فى اوزباكستان خاصة ما هو مصنع منها او على شكل سلع نصف مصنعة. لذا شملت مباحثات الجانبين المصرى والأوزبكى التعاون فى البحوث الزراعية وأساليب الزراعة الحديثة والتى قطعت مصر فيها شوطا كبيرا. كما أن أوزباكستان تمتلك ثروة معدنية من النحاس والذهب و اليورانيوم فضلا عن الغاز والبترول. أما عن سبل التعاون بين مصر وأوزباكستان فهى وبحق كثيرة ومتنوعة. فأولاً تمثل اوزباكستان نقطة محورية فى طريق الحرير ومبادرة الحزام والطريق التى تقودها الصين بحكم موقع أوزباكستان فى قلب القارة الآسيوية. ومن ناحية اخرى تمثل مصر بموقعها الفريد فى العالم العربى وجنوب المتوسط ووضعها كبوابة للقارة الافريقية نقطة محورية وشريانا تلتقى فيه هذه الطرق مجتمعة برياً وبحرياً لتبزغ معها فرص للنقل والمواصلات و نمو لمناطق تجارية واستثمارية. وهنا يظهر جليا الدور الكبير لقناة السويس والمناطق الاستثمارية كفرصة لتجميع وتصنيع السلع والمنتجات الأوزبكية كى تنفذ بسهولة ويسر لأسواق جديدة. ثانياً: فى فبراير 2017 أعلنت الحكومة الاوزبكية برنامج إصلاح شاملا ينطلق من محاور عدة أبرزها الاصلاح المؤسسى والادارى فى الدولة وتحقيق العدالة الناجزة وهى تطابق ما جاء فى البرنامج الرئاسى المصرى وما تضطلع الدولة لتحقيقه. وكما هو الحال فى مصر فأوزباكستان تسعى لتعزيز دورالقطاع الخاص ودعم برامج الحماية الاجتماعية والتأمينات واحداث اصلاح ضريبى شامل. ثالثاً : شهد شهر أغسطس المنصرم توقيعا لاتفاقيات تفاهم بين الدول المتشاطئة على بحر قزوين الى الغرب من اوزباكستان وهى منطقة غنية بموارد طبيعية من الغاز و البترول و الثروة السمكية عالية القيمة. ومن ثم فمن المتوقع ان تنشأ العديد من الصناعات وأنماط للتعاون بين هذه الدول من ناحية وبين العديد من دول افريقيا والشرق الاوسط من ناحية أخرى فضلاً عن انشاء مناطق استثمارية كونها واحدة من الآليات المهمة التى تسعى مصر بها لدفع عجلة النمو الاقتصادى وتقليل البطالة. وهنا تظهر مرة أخرى أهمية المحاور الاستراتيجية للنقل بين قارتى افريقيا وآسيا والتى يجب أن تلعب مصر دوراً اساسيا فيها. رابعاً: اتساقا مع الجهود المصرية لإنعاش حركة السياحة فإن منطقة وسط آسيا بما فيها أوزبكستان تمثل سوقاً جديدة واعدة لتنشيط السياحة وإرسال الوفود بشكل منتظم الى مصر. فعلى سبيل المثال تسعى العديد من هذه الدول قبل نهاية هذا العام لفتح رحلات طيران مباشرة من عواصمها الى مقاصد مصر السياحية مما يمثل بدوره تنوعاً للسياحة الوافدة من دول مختلفة من أقطاب المعمورة. خامساً: أكدت الزيارة فى بيانها المشترك مبادئ التسامح الدينى وقبول الآخر ومكافحة الارهاب بكل صوره ومجابهة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وتعزيز التعاون الأمنى بين البلدين فى هذا الصدد. كما دعت الى التعاون الهادف وتبادل الزيارات بين الشباب والوفود الرياضية لتعضيد أواصر التفاهم والصداقة وترسيخ مفاهيم الثقافة والتنوير. وأخيراً وليس آخراً فإن هذه الزيارة تتسق مع نهج الدبلوماسية المصرية الرفيعة المستوى فى سعيها الدءوب لخلق علاقات تعاون بناءة مع دول العالم المختلفة داعمة بذلك مواقف مصر وثوابتها السياسية الواضحة من ناحية وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادى والثقافى لتحقيق نمو ملموس بل طفرات فى سباق الإصلاح والتنمية. الأستاذ بالجامعة الأمريكية لمزيد من مقالات ◀ د. محمد نجيب أبوزيد