لا تزال صورة الرئيس الأمريكي ترامب مع الرئيس الروسي بوتين خلال قمة هلسنكي في يوليو الماضي تثير مشاعر الغضب لدي كثير من الأمريكيين. فقد بدا ترامب مسترضيا لبوتين ومصطفا معه ضد أجهزة مخابرات بلاده. وفي عيون الأمريكيين، يبدو بوتين عدوا، شخصية من شخصيات أفلام جيمس بوند الشريرة.. لكن بوتين يري نفسه بطلا يحمي بلاده.. وإذا كان لابد من تشبيهه بشخصية سينمائية، فلعله جيمس بوند نفسه! قد يكون هذا التشبيه أفضل مدخل لفهم كتاب «شفرة البوتينية» من تأليف البروفيسور براين تايلور رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة سراكيوز الأمريكية. الكتاب محاولة لفهم روسيا من خلال فهم بوتين. استلهم المؤلف في محاولته فك شفرة بوتين منهج ماكس ويبر عالم الاجتماع الألماني في مطلع القرن العشرين، والذي اعتمد في تفسير تصرفات القادة ليس فقط علي تحليل دوافعهم العقلانية، وإنما عاداتهم ومشاعرهم أيضا. وقد زاد البروفيسور تايلور علي ذلك تحليل طريقة تفكير بوتين. وعلي غرار التاتشرية نسبة إلي رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت تاتشر، والريجانية نسبة إلي الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان؛ فإن البوتينية التي يتناولها الكتاب هي أسلوب في الحكم وفق رؤية شخصية في لحظة تاريخية معينة لكنها لم تكتمل لتصير أيديولوجية. ووفقا للمؤلف فإن قرارات وسياسات بوتن يحكمها إلي جانب رؤيته بأن تكون روسيا قوة عظمي، إحساسه بالاستياء تجاه الغرب عامة وأمريكا خاصة بسبب سياسات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991. استدل المؤلف علي ذلك بتحليل مضمون أحاديث بوتين وما تعكسه من أفكار ومشاعر في مناسبات شتي. من ذلك رد فعله عام 2004 عندما هاجم إرهابيون مدرسة في إقليم بيسلان جنوبروسيا وقتلوا أكثر من 300 شخص معظمهم أطفال، حيث قال بوتين إن سبب الهجوم أن «روسيا تبدو ضعيفة، والضعيف يتعرض للضرب». وقال أيضا إنهم، ويقصد الإرهابيين، يريدون اقتطاع جزء من التورتة، وآخرون، ويعني علي الأرجح أمريكا، يساعدونهم. صورة بوتين، 65 عاما، التي يبدو فيها عاري الصدر مفتول العضلات تعكس التصور الذي يود أن يري العالم من خلاله روسيا الفتية. وتمضي سياساته في الاتجاه ذاته، من ذلك الدور الذي تلعبه روسيا حاليا في سوريا، وفي الدور الذي لعبته 2014 من تقديم الدعم المالي والعسكري للانفصاليين في جنوب شرق أوكرانيا، وضم شبة جزيرة القرم. وبهذه المناسبة عبر بوتين عن مشاعره قائلا، «سيحاولون دائما أن يقيدوا الدب (أي روسيا) بالسلاسل، لينزعوا أنيابه ومخالبه. إننا ندافع عن استقلالنا وسيادتنا وحقنا في البقاء». وإذا كان الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان قد اقترح قبل سبعين عاما سياسة الاحتواء للحد من تمدد النفوذ السوفييتى، فإن البروفيسور تايلور يري أن الاحتواء وحده لا يصلح اليوم. فقد صممت سياسة الاحتواء للتعامل مع نظام ثوري شمولي يسعي لتطبيق صورة مثالية وفق أيديولوجية واضحة.، لكن روسيا اليوم ليست ثورية ولا شمولية. يري المؤلف أن روسيا البوتينية تقليدية وتكره الثورات، هي نظام سلطوي لا شمولي حيث لا يستند الحكم علي أيديولوجية معينة بل طريقة تفكير تغلب فيها العاطفة. ويقترح أن أفضل طريقة للتعامل مع روسيا اليوم هي سياسة تجمع بين الاحتواء والمشاركة، بما يطمئن مخاوف موسكو ويرضي تطلعها لدور القوة العظمي. يري البروفيسور تايلور أن فك شفرة بوتين يساعد في فهم سياسة روسيا الخارجية وفي إدارة العلاقات بين البلدين إلي أقصي حد يسمح بتحقيق مصالح واشنطن. أما تحسين العلاقات بين واشنطنوموسكو، فهو هدف لا يراه مؤلف الكتاب ممكنا الآن أو في المستقبل القريب.