شهدنا على مدار العصور نوعيات عديدة ومختلفة من حملات المقاطعة سواء للسلع أو حتى للأشخاص، ومع ذلك أثبتت لنا الأيام أنها فكرة غير مجدية على الإطلاق، لأنها قد تنجح في بدايتها، لكنها في الغالب لا تصمد طويلا، وفي النهاية يصبح مصيرها الفشل.! ومؤخرا بادر العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق حملة جديدة بعنوان "خليها تحمض" والمقصود بها هي الفاكهة، بعد أن ارتفعت أسعارها بشكل جنوني في الفترة الماضية، فمثلا الجوافة التي كانت تعد من أرخص أنواع الفاكهة قفز سعرها مؤخرا إلى 15 وأحيانا 20 جنيها، وترواح سعر العنب بين 20 و25، أما المانجو فحدث ولا حرج، حيث تبدأ أسعارها حاليا من 20 جنيها، لتصل أحيانا إلى 80 جنيها وعلى هذا المنوال سارت باقي أسعار الفاكهة!. من المؤكد أن هناك أسبابا عديدة كانت وراء هذا الارتفاع الجنوني لأسعار الفاكهة، من بينها وكما يقول خبراء الزراعة أمراض النبات وارتفاع درجات الحرارة، وكل ذلك أثر بدوره علي نقص المحصول بشكل كبير مما جعل المعروض أقل بكثير من الطلب عليها. ويأتي أيضا جشع التجار ليكون هو دائما المتهم الأول وراء أي ارتفاع للأسعار، فحتى الفلاح المسكين يعاني مثله مثل المستهلك من جشعهم، حيث إنه يبيع محصوله بالثمن المحدد له، بينما التجار الكبار هم من يقومون بوضع السعر كما يحلو لهم دون ضابط ولا رابط.! وقد يعتقد البعض خطأ أن المستهلك هو من عليه العبء الأكبر في القضاء على مشكلة غلاء الأسعار بأن يمتنع عن الشراء، غير أن هذا ليس حقيقيا وغير عملي بالمرة مع شعب يصل تعداده إلى 100 مليون نسمة، بمعنى أنه ومهما قاطع الناس السلع ذات الأسعار المرتفعة فهناك آخرون سيواصلون الشراء أيا كان ثمن هذه السلع، وبالتالي فالتاجر لن يتأثر كثيرا بامتناع هؤلاء الممتنعون.! ومعني هذا أنه يجب علينا ألا نعول كثيرا على حملة "خليها تحمض" لأنه وإذا كانت نجحت في بدايتها في انخفاض أسعار بعض الفاكهة، فإن هذا النجاح سيظل مؤقتا وسرعان ما سيعود الوضع كما هو عليه قبيل الحملة. وهذا ليس تقليلا من الحملة وإنما تبصيرا بضرورة البحث عن حلول عملية، واتخاذ إجراءات جدية من المسئولين الحقيقيين، الذين ليس من بينهم المستهلك "الغلبان"، وإنما الجهات المختصة هي من يقع عليها تحمل المسئولية، أولا عن طريق فرض الرقابة الصارمة على الأسواق وبشكل أكثر جدية، ثم وللمرة المليون لن نكل ولا نمل من المطالبة بضرورة وضع تسعيرة جبرية علي السلع، وأخيرا وليس آخرا فلابد على الدولة من توفير أسواق أو نوافذ بيع بديلة بشكل كاف، فكلما توافرت السلع كلما قل احتكار التجار لها، وبالتالي تنخفض أسعارها، والأهم أننا سنشعر بأن الدولة تحميننا ولا تتركنا عرضة لنهش التجار لنا!. [email protected] لمزيد من مقالات علا السعدنى