في السنوات الأخيرة قبل ثورة يناير كانت هناك نداءات سينمائية للنهوض بصناعة السينما وتطويرها لتعود أحد مصادر الدخل القومي, ومن ثمة تعود لمكانتها علي الساحة الدولية.. وقدمت رؤي ودراسات لتحقيق التطور والنهوض. الآن وبعد حركة التغير شبه الجذري التي أحدثتها الثورة بظهور التحول الديمقراطي.. هل يدرك المسئولون أهمية هذه الصناعة؟ أم سيتم التعامل معها كما في العهد السابق ونفقد أحد أهم مصادر الدخل القومي في وقت تمر فيه مصر بأزمة إقتصادية ومالية طاحنة؟ إذا كان المسئولون يفقدون الرؤية للوصول لحل..فأننا أمام تجربة بلدان امريكا اللاتينية التي عاشت سنوات من الحكم الديكتاتوري الشمولي لحقب طويلة انتهت مع منتصف تسعينيات القرن الماضي, وكانت أفلامها أثناء هذا الحكم موجهة فاقدة للجرأة وصدق التعبير..لكن مع الأنظمة الجديدة ظهرت اهمية السينما كفن وصناعة فدعمتها الدولة بجزء من ميزانيتها, وشجعت المستثمرين علي المشاركة في الدعم وتخفيض جزء كبير من ضرائبهم. منذ صدور هذا القرار في القارة اللاتينية ظهرت افلام عبرت عن تاريخها; خاصة الفترة الديكتاتورية بصدق وأمانة علي ايدي مخرجين شباب استطاعوا أن يقدموا سينما جديدة مزجوا فيها بين الرؤية التشكيلية والرمزية والتسجيلية فتميزت أفلام قارتهم, وتنافسوا في المهرجانات العالمية, وحصدوا الجوائز الكبري.. مثل فيلم حليب الاسي من بيرو لمخرجته الشابة كلوديا ليوسا التي قدمت مأساة شابة تبحث عن والديها اللذان فقدتهما وهي طفلة بسبب النظام الديكتاتوري الحاكم;وفاز هذا الفيلم بجائزة الدب الذهبي في الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان برلين عام..2009 أما الارجنتين في ذات المهرجان بالدورة الواحدة والستين, فقد قدمت مأساة طفلة في فيلم الجائزة عاشت سنوات القهر ونشأت علي الخوف من الحديث وإبداء الراي خوفا من السلطات والتعذيب.. لتصور لنا المخرجة باولا ماركوفيتش برؤية أظهرت الأبعاد النفسية الكامنة في وجه الفتاة, وبكاميرا مالت حركتها إلي الطبيعية ومدي معاناة الاطفال في الماضي الذين اصبحوا شبابا يحمل بعض العقد والامراض النفسية بسبب تنشئتهم في ظل نظام شمولي قمعي; وربما تظهرمعايشة المخرجة لهذا الموقف في حياتها من صدق المشاعر وتلقائيتها;وكأن المخرجة اندمجت في ذاكرة الماضي باحساسها وانفعالاتها واستحقت عنها جائزة الدب الفضي عن الانتاج والتصوير. رغم اقتناص افلام القارة اللاتينية للجوائز الكبري في المهرجانات العالمية وتثبيت مكانتها وشهرة مخرجيها عالميا, يبقي الاشادة بان انتاجهم للافلام لا يصل للارقام الفلكية كما في افلامنا, ولكن ادراك السينمائيين لادواتهم جعلهم يصنعون افلاما تعتمد علي الرؤية الفنية في المقام الاول لتعويض إنخفاض الميزانية الإنتاجية; إلي جانب دعم الدولة لصناعة السينما. تجربة تستحق النظر, خاصة وان الوضع بين بلدان القارة اللاتينية ومصر يمكن وصفه بانه تشابه للظروف والبدايات وفي إنتظار النهايات بقرارات إما تنهض بالسينما وتجعلها ذات كيان إقتصادي قوي, وذات حضور فني دولي.. وأخيرا كتاب تاريخ لايمكن تكذيبه يفيد الاجيال القادمة, ويكشف حقائق الحياة الإجتماعية بعمق لسنوات النظام السابق, والظلال السياسية والإقتصادية بها.