ساعات الف أزف عرايس .. وساعات أدور مع نور عرسان .. وياما كان بيجيلى مزاج ألسوع العشاق كرباج، ولما أقول «شى» الزفة تمشى، ولما أقول «هس» كله سمع .. هس، ، يرحم زمان وليالى زمان . هذه الكلمات العبقرية التى غناها عبدالمنعم مدبولى فى فيلم «مولد يا دنيا» هى لسان حال سائقى الحناطير فى الإسكندرية وهم يشكون حالهم ويترحمون على أيام زمان بعد تدهور صناعة «الحناطير» وقلة عددها، بعد أن كانت فى قمة مجدها فى القرنين ال 18 و19 وحتى خمسينات القرن الماضى حيث كان الحنطور هو وسيلة المواصلات المستخدمة فى مجتمع الباشوات والهوانم وكان رمزاً للإسكندرية رغم أن موطنه الأصلى إيطاليا ونُقل عن طريق الجاليات الأجنبية وسرعان ما أتقنه الأجداد إتقان يصعب الفصل فيه عن الأصل . ويُعد أشهر راكب لعربات الحنطور هو الأمير عمر طوسون الذى كان يركبها ذهابا وأيابا بين قصريه بباكوس وترعة المحمودية وأيضاً الملك فاروق الذى كان يركبها متنكراً، وتقول الروايات أن فاروق أستقل حنطور لتفقد الأحوال فسأل الحوزى عن رأيه فى الملك فؤاد ورأيه فيه دون أن يدرى الرجل انه ملك البلاد فكان رده مخيباً مما أحزن فاروق بشدة ولكن أحدا لم يتعرض للعربجى . وكل مايجرى بعربة الحنطور أسرار ففى بعض الأحيان كان الركاب يشاركون الحوزى بعض الامور العاطفية والإنسانية، والحنطور يمثل تاريخ إجتماعى وسياسى للبلاد وقد تطرق نجيب محفوظ له فى رواياته وتناولته السينما المصرية وله بصمة فى ذاكرة التاريخ المصرى .. كما كان يلعب دور الخميلة الغرامية بين الأحباب مما قد يُسبب إحراج للعربجى . اغتيال الحنطور أما حاليا فقد تعرض الحنطور للإغتيال بسبب التعنت الشديد فى عدم الإعتراف بتلك المهنة ورفض إستخراج رخص لها، ورغم تلك المعاناه مازال هو الركوبة المفضلة للسائحين على الكورنيش رغم أنه مُطارد كأنه مجرم حرب، وقد تسبب التضييق عليه الى غلق ورش كثيرة لتصنيعه بعد أن قل الطلب عليه . ويقول الحاج على جابر صاحب أشهر وأقدم مصنع لعربات الحنطور والركايب الملكية أن صناعة الحنطور إنتقلت من إيطاليا إلى مصر وقد قام جدى حسن سليم بمشاركة أحد الإيطالين بورشة بشارع الخديوى وقد جعلت الخبرة الإيطالية العربة مميزة فى الفرش والجلد والكابوت، وإنتشرت تلك الركوبة حتى وصل عددها الي5000 عربة، ثم تقلص العدد الى الف عربة مع ظهور التاكسى . وقد ورثت المهنة عن والدى رغم تخرجى من الجامعة والآن يمتهنها إبنى خريج الجامعة، وقد كان لجدى ثلاث ورش بمنطقة اللبان.. ومن أشهر طالبى العربة رجال الأعمال والمطاعم السياحية..وقد أصبحت المهنة مهددة بالانقراض بسبب القرارات التى تصدرها الأحياء ورفض المحافظة إستخراج رخص ففى الماضى كان لكل عربة رخصة ولوحة معدنية وهى أمور تُلزم العربجى بالإنضباط وكانت هناك مواقف للعربات تم إلغاؤها وأصبح سائق الحنطور مُطارد كالمجرمين من قبل الإزالة وتسحب منه العربة ويتم وضعها بالحضانة ومطالبته بدفع مبالغ لا قبل له بها، لذا لابد أن يعى المسئولون إن الحنطور هو جزء من ذاكرة المدينة لذا نطالب بعمل ترخيص للسائق وعدم مطاردتة من قبل شرطة المرافق . ويقول سعد زكى خليل صاحب ورشة بمنطقة اللبان لقد توارثت المهنة أباً عن جد ولا أنوى توريثها لأولادى لما وصلت إليه، فصناعة العربة حكاية طويلة من حدادة ونجارة وسروجى لطقم الخيل وآخر لفرش العربة ثم البويات، وتعود تلك الصناعة الى ايطاليا، كما تم تقليد العربة الفرنسية فعمى «إبراهيم بنزينة» كان يُشكل الحديد فلا تجد فارق بينه وبين القطعة الفرنسية الأصلية، وكنا نصنع قبل الحنطور عربة اسمها «الدك» وهى عبارة عن ركوبة من قطعتين خلفى لشخص واحد ومكان فى الأمام لركوب العربجى، وفى السبعينات أرسل لنا الرئيس السادات يطلب تصنيع عربة أهداها لرئيس زائير السابق عيدى امين . وكانت تكلفة العربة زمان بسيطة أما الأن فتكلفتها تصل الى 30 الف جنيه، ولايزيد عددها على 40 عربية اليوم ومشاكل صناعة الحنطور كثيرة تؤدى جميعها للانقراض مثلا ندرة وجود أسطبل وعدم وجود رخصة للسائق ومنع السير على البحر، للأسف الحنطور أصبح أنتيكة بالإضافة لقلة الصنايعية وأرتفاع الأجور وأسعار الخامات ومطاردة الأحياء وشرطة المرافق لهم كأنهم مجرمون خطرون ورفض المحافظة لأستخراج تراخيص كلها أمور أدت إلى إنقراض أهم مهنة بالاسكندرية على مدى قرون فقد أصبح بها ثلاث ورش على مستوى المحافظة 2 باللبان وواحدة بأبو سليمان. وتزامن ذلك مع انقراض الأسطبل فأصبحت الخرابات هى مسكن الخيل ومبيت العربات. أما شعبان رمضان حماد 65 سنة من أقدم سائقى عربات الحنطور فقال : أنا أعمل بالمهنة من 55 سنة، وكان يُسمح لنا بالسير بجميع شوارع المدينة وكانت كل عربة تحمل لوحة معدنيه برقم مثل التاكسى والعربجى كان يضع على وسطه حزام يحمل الرخصة والتصريح وكل شىء قانونى وكانت عربة الحنطور الأكثر إنتشارا للركاب والبضائع وكثيراً ما قمنا بزفاف العرائس زفاف ملوكى تشارك فيه 15 عربة بالورود مثل أفراح الملوك خارج مصر الآن، كما كان الناس يزفون أولادهم قبل الختان، الآن أصبحنا نُطارد ومحظورين من السير فى شوارع المدينة ويتم سحب العربة وتوقيع غرامة لاتقل عن الف جنيه، فمن أين أحصل على هذا المبلغ ؟ والحيوان يأكل فى اليوم الواحد ب 80 جنيه اضافة الى مبيت الخيل والعربة بالإسطبل 150 شهريا.. ويضيف شعبان بأسى هم يتعاملون معنا كعربجى الكارو وهناك فارق بن المهنتين فلابد ان نُعامل كمهنة تراثية وليس مطاريد الجبل .. تركت الرجل وحاله يعبر عنه الفنان عبدالمنعم مدبولى «طب يازمان العبر» . ويقول الأثري أحمدعبدالفتاح أن عربه الحنطور تراث سكندرى وأطالب المسئولين بالطب البيطرى بضرورة رعاية الخيل من خلال متابعة دورية لصحتها وتحديد حمولتها، وقيام الدولة بمعاونة أصحاب عربات الحنطور معاشياً بإعتباره ينطوى على شقين الأول إنسانى كطائفة من طوائف الشعب تكد وتكدح من أجل العيش بالإضافة الى أن دعم عربات الحنطور هو دعم للسياحة حيث يقبل السائحون بشغف على التنزه بها ويبتعدون عن ركوب السيارات فهو أمر معتاد عليه لديهم لذا يجب الحفاظ على تلك المهنة كتراث لأنها نتاج كفاح الشعب المصرى وأصراره على الحياة.