كتب تسعين رواية وعشرات القصص القصيرة ومائة قصة فكاهية وبعض المسرحيات، وتُرجمت رواياته لمعظم لغات العالم وتحول بعضها لأفلام سينمائية ومسرحيات، برع «بتجسيد» الحياة بعصره اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. إنه «أورنوريه دى بلزاك» أحد أهم رواد الأدب الفرنسى فى القرن التاسع عشر، ولد بباريس فى 20 مايو 1799 وفارق الحياة فى 18 أغسطس 1850، أسس مع «جوستاف فلوبير» الواقعية بالأدب الأوروبي. بدأ الكتابة فى سن العشرين، ثم تمرد على نفسه وعلى السائد فى الكتابة بعصره وعلى روايات كتبها تتضافر بها الخرافات والواقع مع مبالغة بالحكى وعدم حبكة الرواية، ووضع فى سنواته الأخيرة أسس الرواية الحديثة الواقعية. أجاد بلزاك وصف التفاصيل فجعل القارئ «يعيش» الرواية، وأتقن الحبكة وأنفرد بأسلوبه وتميز بالتحليل الفلسفى بمعظم رواياته، وتمكن من «أدوات» الروائى بجدارة. عُرف عنه الغزارة الشديدة فى الانتاج وفوجئ الكثيرون بعد موته بعشرات الكتب التى لم ينشرها، وقيل إنه كان يكتب لمدة 18ساعة يوميا، وبعض رواياته نشرها مسلسلة بالصحف قبل صدورها كتبا بعد ذلك، اهتم بالرواية الخيالية مثل «الجلد المسحور» ومن أهم إبداعاته «أوجينى جراندي»، «الأب غوريو»، و«زنبق الوادي» و«الكوميديا الإنسانية» التى صدرت فى 37 مجلدا وصور فيها بلزاك المجتمع الفرنسي. وفى رواية «لويس لامبير» أضاء بلزاك -لأول مرة- للبشرية الفروق الجوهرية بين الجنون والعبقرية قبل تعريف الطب النفسى لها، والمذهل أنه كتبها فى شهر ونصف الشهر فقط. كتب بلزاك ما يسمى الرواية «السوداء»؛ وهى التى يكثر فيها الحديث عن القراصنة وما شابه مع المغامرات المثيرة، وتعد تلك النوعية من الروايات بدايات للرواية البوليسية. عاش بلزاك طفولة قاسية بسبب أمه التى كانت أصغر من أبيه ب 32 عاما، وتزوجته رغما عنها، وعاملت أبناءها بقسوة وبحدة، ووصفها بلزاك بأنها الرعب والهول مجتمعين، وحمَّلها دوما سبب أى معاناة بحياته وكيف لا يفعل وهو القائل: الرجل صنيعة أمه، والبيوت بلا أمهات صالحات قبور، ويبدو أنه لم يعترف بها أما، فقد قال: قلب الأم هوة عميقة ستجد المغفرة دائما فى قاعها. فمن الواضح أنه لم يتذكر لأمه أى مغفرة. حصل بلزاك على شهادة الحقوق لكنه رفض العمل بها، وأصر على احتراف الأدب وعانى كثيرا لإقناع أسرته بذلك، وتحمل سنوات الفقر الشديد والحياة بالغة القسوة وأحس بأوجاع الفقراء وتعاطف معهم. وللخلاص من سيطرة أمه المادية عليه وتهديدها له باجباره على ترك الأدب؛ لجأ بلزاك «لتأجير» نفسه لكتابة أى شيء يعرض عليه «فقط» للحصول على أى مال حتى لا يضطر لترك الكتابة، واستمر على ذلك عدة سنوات. ومن إبداع بلزاك رسائله الخاصة التى تم جمعها فى مجلدات، ومنها ما كتبها لأمه ولصديقاته ولزوجته وكشفت الكثير عن تفاصيل حياته الشخصية وحياة الفرنسيين وقتئذ. ولمكابدته الألم؛ كان شديد الاحترام للوجع الانساني، وبرع فى وصفه ونجح فى نقل تعاطفه معه للقارئ، تزوج كونتيسة ظل يتودد إليها 17 عاما، وكيف لا يفعل وهو القائل: إذا كان الجمال هو الذى يثير الحب فإن الحنان هو الذى يصونه. كانت حياته صعبة، وعانى كثرة الديون وقاوم قسوة حياته بالإنتاج الأدبى الغزير والمتنوع، وصدق مع نفسه فهو القائل: ليس من موهبة عظيمة دون إرادة عظيمة.