لاشك أن إقرار الكنيست الإسرائيلى قانون الدولة القومية ستكون له أبعاد كثيرة ومعظمها ضد مستقبل إسرائيل سواء القريب أو البعيد. إن إسرائيل تحاول منذ نشأتها أن تبدو أنها دولة متحضرة وصمام الأمان للمنطقة عن طريق وضع قناع غير حقيقى على وجهها، ويخفى حقيقتها بأنها دولة تخالف قواعد القانون الدولى المستقرة وتمارس سياستها بالعدوان والعنف والتمييز العنصرى واحتلال الأراضى بالقوة وانتهاك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. قد يعتقد البعض أن قرار الكنيست بإصدار هذا القانون هو قرار حديث ولكنه فى الأساس بدأت فكرته عام 2011 وذلك من خلال مشروع قانون يهدف إلى تكريس يهودية الدولة دستوريا بوصفها القيمة العليا والمرجعية القانونية والمعنوية الحاسمة، وتلاحقت الخطوات فى عام 2014 حيث قامت حكومة نيتانياهو السابقة ببعض الدراسات ولكن لم تتمكن من تقديمه للسلطة التشريعية، ومن الخطوات أيضا عام 2015 حيث طلب رئيس الحكومة طرح مشروع قانون أساس القومية اليهودية. ولا شك أن الدولة الدينية تقلل من احترام الدولة، لما يترتب عليها من تمييز عنصرى غير قانونى وغير مقبول على المدى الطويل يعتمد على ديانة الشخص وليس عمله أو تفوقه أو أى جانب ايجابى للشخص. وبمراجعة قواعد القانون الدولى، خاصة حقوق الإنسان، نجد أن التمييز العنصرى أصبح غير مقبول فى المجتمع الدولى ويخالف قاعدة أساسية من قواعد حقوق الإنسان «عدم التمييز». وإذا كان هذا هو اتجاه إسرائيل بغلق الدولة على ديانة واحدة فإن هذا مستحيل الاستمرار فى ظل المجتمع الدولى وحرية التنقل وحرية الديانة وجميع الحريات الأساسية منذ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وما تلاه من اتفاقيات وبروتوكولات واتفاقيات دولية توضح رفض التمييز الدينى بصفة خاصة. وتأكيدا لهذا فإنه بالرغم من استناد إسرائيل وحكومة نيتانياهو إلى وجود الرئيس الأمريكى ترامب بسياسته المتخبطة والتى يغلب عليها أساليب التجارة وليس أساليب السياسة والفرق بينهما إلى ما لانهاية، ومن ثم نجد عند التصويت فى الكنيست على هذا القرار فلم يحصل إلا على أغلبية بسيطة وهى 62 نائبا من 120 نائبا. وإذا راجعنا ما جاء فى القرار نجد أنها بنود قديمة مهلهلة وفى معظم الأحوال فأنها لاتنطبق على ما جاء فى القرار، وعلى سبيل المثال أن هناك بندا يتحدث عن حق تقرير المصير فى إسرائيل ويكون مقصورا على اليهود فقط، وكذلك الهجرة تكون لليهود فقط، والعبرية هى لغة الدولة الأساسية، والقدس الكبرى هى عاصمة إسرائيل، وإذا راجعنا النقاط فإننى اشعر بأن إسرائيل مازالت تشعر بأنها لم تسيطر على الأراضى الفلسطينية فاحتاجت لقانون محلى داخلى للكنيست ولذلك فإنها لم تنجح فى الحصول على قرار دولى يؤكد ذلك ومن ثم فإن القرار الداخلى فى الكنيست لا يلزم ولايطبق إلا داخل إسرائيل ولا تلتزم أى دولة أو أى منظمة إلا بموافقة صريحة على ذلك، وهذا كان يحدث فى أى اتفاق دولى قبل صدور هذا القرار المبهم المهلهل فى إسرائيل لتطبقه إسرائيل. ويشير البعض إلى أن قانون القومية اليهودية يهدف إلى الإضرار بعرب إسرائيل الذين يبلغ عددهم 1٫8 مليون شخص أى حوالى 20% من عدد السكان فى إسرائيل، ونعرف أن عرب إسرائيل هم أبناء الفلسطينيين الذين لم يغادروا أراضيهم خلال حرب 1948 وقيام إسرائيل، ولكن استمرار إسرائيل فى إصدار قوانين محلية كمحاولة لإعطاء الاحتلال شرعية قانونية يدل على مدى ضعف الوجود الإسرائيلى حتى الآن بالرغم من الدعم والمساندة الأمريكية للسياسة الإسرائيلية. إن مؤشرات صدور هذا القانون المحلى هو تنكر لحقوق الشعب الفلسطينى القانونية، خاصة ما يتعلق بارتباطه بأرضه وتاريخه ومعابده الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية، وكذلك تحد لدول العالم المتحضرة والداعية للسلم والسلام ووقف الانتهاكات القانونية لمبادئ القانون الدولى بصفة عامة، والقانون الدولى الإنسانى بصفة خاصة، والذى أشار فى اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 إلى حماية المدنيين تحت الاحتلال وعدم مشروعية تغيير الأرض أو المعالم الدينية للأراضى المحتلة. ومن ناحية أخرى نجد أن هذا القانون المحلى الإسرائيلى يوضح أن إسرائيل لا تريد الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية بل تريد الاستمرار فى الاحتلال، وتحاول أن تدعم وجودها بالطرق غير القانونية علاوة على انتهاكها قرارات كثيرة بالنسبة لوضع مدينة القدس وضرورة الاحتفاظ بطابعها الدينى والتاريخى وغيرها . ومن ثم فانه لابد من التأكيد فى رد الفعل على أن المجتمع الدولى بصفة عامة والدول العربية والإسلامية بصفة خاصة تدعم حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وتنادى بضرورة إنشاء دولة فلسطين وعاصمتها القدسالشرقية. لمزيد من مقالات د. نبيل أحمد حلمى