قبل أن أتحدث عن الصرح الضخم وهو «أكاديمية الفنون» أحب أن أقول للدكتورة وزيرة الثقافة إن هناك نوعين من البشر المصريين هى بالضرورة مسئولة عن صنعهما وهما المثقف والمبدع. وسوف أرجئ حديثى عن الثقافة والمثقف لأتحدث أولا عن المبدع مادمت سوف أبدأ الحديث عن معاهد أكاديمية الفنون.. سوف أتحدث عن مكونات المبدع الذى تشاركين بفاعلية كبيرة من خلال هذه الأكاديمية. أول المعاهد المسئولة عن خلق المبدع بل خلق الإبداع السينمائى الحقيقى الذى كان يجب أن نفخر به هو المعهد العالى للسينما ولكن أعتقد أن سيادتك لا توافقين على حال السينما المصرية فى وقتنا الحاضر وأن ما يحدث هو أشبه بالمؤامرة للقضاء على كل القيم الجميلة ومسخ الذائقة الفنية الرفيعة للفن السينمائى أهم الفنون الآن، وربما يرجع ذلك إلى حال معهد السينما نفسه. فلا يختلف أى متخصص على درجة عالية من الثقافة السينمائية على الحال المتردى الذى وصل إليه المعهد العالى للسينما ومسئوليته المباشرة لما وصل إليه حال السينما فى مصر.. ولكن للحق فإن من واجبى أن أقول بأنه إذا كان المستوى العام لهذا المعهد قد هبط إلى هذا المستوى إلا أن هذا لا يجعله متفردا فى هذا الهبوط لأنه بكل بساطة هو حال التعليم بوجه عام فى مصر. أقول للدكتورة الوزيرة: إن التغيير فى معهد السينما هذا قد لحق بشيئين: الأول يختص بالطلبة الذين يدرسون فى المعهد. فإننا لو قمنا بالمقارنة بين طلبة الأمس وطلبة اليوم فإن من بين طلبة الأمس يحمل الكثير منهم الأسماء البارزة فى مجال السينمائى فى مصر مثل أشرف فهمى وممدوح شكرى ومحسن نصر ورمسيس مرزوق ونادر جلال، ومحمد عبد العزيز، سمير فرج، وحسين فهمى، ومدكور ثابت، وعادل منير، وأحمد متولى، وسمير عوف، وعلى بدرخان، وعلى عبد الخالق، وخيرى بشارة، وداود عبد السيد، ومحمود أبو زيد، ومحسن زايد، وأحمد ياسين، وأحمد يحيى، ومحمد راضى، منير راضى وسمير سيف وعاطف الطيب. وبعد تخرجهم فى المعهد تدرجوا فى العمل السينمائى فى البداية بالعمل مساعدين مع أساتذة السينما الكبار فالتحمت الخبرة مع الثقافة السينمائية الجديدة حتى استطاع كل واحد منهم فى فنه مع استمرار ولعهم بالتحصيل وحب المعرفة ومشاهدة الأفلام السينمائية من مصادرها المختلفة وليس بغرض نقل وسرقة موضوعات الأفلام ولكن للدراسة والاستيعاب والتطور والمحاكاة رغم قلة الإمكانات فى ذلك الوقت، فى حين أن طلبة اليوم ينساقون وراء بريق الشهرة والمال دون أن يكون لديهم رغبة حقيقية فى الإبداع الراقى أو الاستزادة من المعرفة التى لم يجدها فى المعهد وهذا ما نراه منعكسا فى أفلام هذه الأيام الخالية من كل الإبداعات السينمائية فلا نجد فيها سوى العنف وضحالة الأحداث وابتذال حوار الشخصيات. وبالطبع ينعكس كل هذا على سلوك من يشاهد هذه الأفلام التى أصفها دائما بأنها ليست أفلاما ولكنها مجرد هلامات مصورة. عندما أنشأ ثروت عكاشة معهد السينما كان يريده أن يكون من أفضل معاهد السينما فى العالم، وأذكر أنه جلب له بعض الأساتذة من فرنسا لمواد الإخراج والسيناريو والمونتاج والسينما التسجيلية حيث كان يقوم بالتدريس خبير من تشيكوسلوفاكيا. هذا بجوار كبار الأساتذة المصريين مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وحلمى حليم ومحمود مرسى وعبد العزيز فهمى ووديد سرى وسعيد الشيخ وعلى الزرقانى ويوسف جوهر، كما كان هناك من بين أقسام المعهد قسم للمونتاج وكان يقوم بتدريس مادة الديكور شادى عبد السلام. وكان من بين المواد التى يدرسها الطالب إلى جانب العلوم السينمائية اللغة الإنجليزية ودراسة الأدب وعلم الجمال والموسيقى حيث يقوم كبار الأساتذة المتخصصين بالتدريس لهم. كانت بداية النكبة عندما سافر مجموعة من الخريجين المتفوقين فى الدراسة أو الذين وافقوا على الذهاب فى بعثات إلى الاتحاد السوفيتى فى حين رفض بعض النابغين السفر وفضلوا العمل والتدريب فى الحقل السينمائى ومنهم على ما أذكر نادر جلال وممدوح شكرى ومحمد عبد العزيز ومحسن نصر وسمير سيف. وعندما توافرت بعثة لمدير التصوير رمسيس مرزوق للسفر إلى فرنسا سافر وعندما عاد اضطهده زملاؤه العائدون من الاتحاد السوفيتى والذين لفظهم الحقل السينمائى لمستواهم المتواضع جدا. كانوا يحسبون أن درجة الدكتوراة من الاتحاد السوفيتى سوف تفتح لهم مجال العمل فى السينما من أوسع الأبواب ولكن السينما أغلقت كل أبوابها فى وجوههم ولم يتبق لهم سوى التدريس فى المعهد وكان هذا وبالا على الطلبة الدارسين، وقد اشتكى لى بعض طلبة الدراسات العليا من ضعف مستوى الأساتذة المشرفين على رسائلهم ولا يجدون حلا لهذه المشكلة ووصل الأمر أن أخبرنى أحد عمداء المعهد السابقين بأنه لاحظ ضعف مستوى المناقشة لهذه الرسائل حتى أنه فى كثير من المرات كان يريد أن ينهض ويصرخ فيهم بأن تلك الرسائل لا تصلح لنيل أى درجة علمية وأن المناقشة التى تدور لا تليق بالمناسبة. وعليه فإننى أقترح تطوير المناهج فى المعهد وأن يتم الآتي: 1 التخلص من معظم الأساتذة الموجودين وتطعيم المعهد بأساتذة من الخارج كما فعل من قبل ثروت عكاشة. 2 أن تكون مدة الدراسة خمس سنوات بدلا من أربع فليس من المعقول أن يأتى طالب درس ثلاث سنوات ليحصل على الثانوية العامة فى ظل تعليم متدهور دون أن يحصل على مجموع لائق فلا يجد أمامه سوى معهد السينما وبعد أربع سنين يصبخ مخرجا فنعانى أسوأ معاناة عندما نشاهد أفلامه. 3 أن تكون السنة الأولى هى السنة الإعدادى حيث يدرس الجميع دراسة تمهيدية واحدة للفنون والآداب وعلم النفس وفلسفة الجمال تستمر معه مدة الخمس سنوات حتى يتقنها ويبدأ التخصص بعد ذلك من السنة الأولى. 4 أن تكون دراسة الموسيقى العالمية أساسية لمدة أربع سنوات. 5 لا يلتحق بقسم السيناريو إلا من حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية أو اللغة العربية أو بكالوريوس الفنون المسرحية قسم النقد. 6 أن تكون الدراسة من السنة الثالثة عملية أى التدريب على الكتابة والإخراج والتصوير والمونتاج والماكياج. لمزيد من مقالات مصطفى محرم