تثير الزوبعة المثارة حول المستشفى الخيرى العالمى 57357 لعلاج سرطان الاطفال الكثير من الافكار حول الحقوق الأساسية للجمهور المتبرع، سواء كان محليا أو عالميا، برغم انه ادى واجبه الاجتماعي. وهو الجمهور الذى تحركه مشاعره وعواطفه من اجل مساعدة المحتاجين والتقدم اراديا لتقديم تبرعه الى الجهة التى يرى انها الأمثل فى تنظيم تلك التبرعات وتوجهها الى هدفها الاساسى وهو علاج الاطفال المصابين بهذا المرض اللعين أو غيره من الأمراض. وفى هذا الشأن لابد من تقديم كل التقدير لكل مواطن قدم جنيها او حول دولارا كتبرع الى اى جهة تتلقى التبرعات، خاصة خلال شهر رمضان وتنظيمها لتتحول اموال الزكاة الى تبرعات تستفيد منها الحاجة الملحة الصحية والعلاجية التى تحتاجها الشرائح والطبقات الاجتماعية التى لا تستطيع تحمل تكاليف العلاج بمفردها. وتحديدا بعد ان ارتفعت تكاليف العلاج والدواء الى مبالغ فلكية وباتت هذه القلاع الكبيرة الخيرية احد الملاذات للفقراء وللمهمشين. وفى اطار الازمة الاقتصادية الحالية والتى تؤثر وتضغط على الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطي، فإن هذه المؤسسات العلاجية الخيرية باتت ضرورة اساسية ولم تعد كما كانت فى القديم مثل الجمعية الخيرية الاسلامية او دار الشفاء او المستشفى الاسرائيلى ( وهى المستشفيات التى أسسها ممثلو المسلمين والمسيحيين واليهود المصريين بدءا من النصف الثانى من القرن التاسع عشر) او مستشفى مبرة الملك الصالح (والتى كانت تحت رعاية اميرات الاسرة المالكة) (أو المستشفى الإيطالى الذى بنته الدولة الايطالية ليخدم الجالية الايطالية فى مصر أو المستشفى اليونانى الذى كان يقوم بالدور نفسه). حيث كانت هذه المستشفيات تقسم خدماتها إلى قسمين أساسيين، قسم للقادرين يتحملون كل نفقات العلاج والدواء ثم القسم الثانى المجانى الذى يتم الانفاق عليه من الدخل المتحقق من القسم الاول. وإذا احتاجت إلى تبرعات فكانت تتجه دائما إلى الطبقة القادرة على المنح والتى كان اعضاؤها يشكلون الغالبية العددية من مجالس إداراتها وبالتالى كانوا يراقبون اعمالها وانفاقها. وهى مؤسسات علاجية لاتزال تقدم خدماتها إلى الآن بنجاح. لكن فى هذا الزمان وفى اطار منظومة ما بتنا نسميها بمنظومة المجتمع المدنى تأتى المستشفيات الجديدة فى الجانب الخيرى من هذه المنظومة، التى لا تعتمد على المواطنين وجهدهم المادى بقدر ما تعتمد على تبرعات عموم المواطنين. ومن هنا تأتى أهمية التوجه الى المستشفيات الخيرية الحالية كمؤسسات مهمة تتصرف فى مال عام يجب ان تمارس اهم قيمتين ينادى بهمها المجتمع المدنى وهما المحاسبية والشفافية. أى حق الجمهور الواسع المتبرع، فى المعرفة، إذا طالبناه باستمرار العطاء. وطالما تدخل هذه المؤسسات ضمن مجموعة المؤسسات الخيرية، فى اطار مجموعات منظمات المجتمع المدني، وطالما كانت تعتمد على تبرعات عامة الجمهور فى توجهها نحو الانشطة الطبية والتعليمية والخدمية وتلك التى تقدم المساعدات المباشرة، فإنها تشارك تلك المنظمات الحديثة التى تتحمل مسئولية ثقافية اجتماعية عامة لنشر ثقافة حقوق الانسان و الحوكمة الرشيدة وحقوق الطفل والمرأة فى عملها واركانه. وعندما نختبر الأنشطة التى تتبناها منظمات المجتمع المدنى بدءا من الدفاع عن حقوق الانسان حتى نشر ثقافة الحوكمة الرشيدة والشفافية المالية فإننا دائما ما نراها تتوجه بمطالبها او بنقدها نحو أجهزة الدولة، أفرادا ووزارات وإدارات. وهو شيء محمود فى كل الاحوال لأنه ينشر الوعى المجتمعى العام بهذه القيم اللازمة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة. واذا كانت هذه المنظمات المجتمعية تطالب الآخرين، مهما كان هذا الآخر، بالالتزام بالقيم التى تتمسك بها فإن الأولى بها أن تتمسك هى ذاتها بهذه القيم لتكون المثل المحتذى به من مكونات المجتمع افرادا وحكومة. مثلا اذا كنا نطالب الدولة بضرورة الاعتراف بحق المواطن فى المعرفة والحصول على المعلومات فإن على هذه المنظمات ان تمارس هذه المطالب قبل ان تتقدم بالمطالبة بها. فمن المستغرب، على سبيل المثال، ان تنطلق إحدى المنظمات الحقوقية مطالبة ورافعة شعار، لا للتمديد، ومنددة بمحاولة مد فترة رئاسة الرئيس الاسبق حسنى مبارك فى الوقت التى لم نر فيها رئيسا لها يتداول رئاستها وادارتها مع رئيس آخر منذ عشرات السنين. وهو واقع يخضع لما نعرفه بازدواجية المعايير الذى نعاتب عليه الآخرين سواء فى الداخل أو فى الخارج. يحدث هذا فى الوقت الذى تعرفنا فيه على آليات بسيطة ومعترف بها تساعدنا على وضع الحوكمة الرشيدة ولو فى تجاربها الأولي. تبدأ تلك الآليات فى الجمعيات العمومية التى يمكن ان تعقد فى المنظمات المحدودة العدد التى يعرض فيها الواقع المالي، الإيرادات والمصروفات. وتلك هى ابسط الاجراءات وأولها والتى تتبع فى النقابات العمالية والمهنية فى كل البلدان. وفى بلادنا لا تحصل هذه الجمعيات العمومية على اهمية كبيرة الا فى اوقات الانتخابات التى تجرى فيها التغييرات فى مجالس الادارة. اما الميزانيات المقدمة للجمعيات العمومية فلا تشد الانتباه، وهو خطأ، ولكنها تستمر مسجلة ومعلنة ومطروحة على العضوية تستطيع العودة اليها فى اى وقت. أما الآلية الثانية التى تعرفنا عليها وخاصة بالنسبة للمنظمات الواسعة والهلامية العضوية أو تلك التى تعتمد على عموم المواطنين وتبرعاتهم فهى نشر الميزانيات التى تتضمن التبرعات والإنفاق بعد اقرارها من مكتب محاسبى معتمد فى جريدة او اكثر واسعة الانتشار. وفى الوقت نفسه بعد الاطلاع عليها من الجهة الحكومية المسئولة. وفى حالة المستشفيات الخيرية هى وزارة التضامن الاجتماعي. ولا شك ان هذه الآلية الثانية هى الأكثر أمانا وضمانا لتطبيق مبدأى المحاسبية والحوكمة الرشيدة. وربما يشعر القائمون على منظمات المجتمع المدنى بحساسية مفرطة تجاه رقابة الحكومة المالية عليهم. وبالرغم من عدم موافقتى على هذه الحساسية إلا أن أفضل سبل المحاسبة البسيطة هى نشر الميزانيات بعد التصديق عليها من مكتب محاسبى قانوني. لحظتها سيتراجع اللغط الموجود حاليا. لمزيد من مقالات أمينة شفيق