الصراع على امتلاك الأسلحة الذرية بين أمريكا والاتحاد السوفيتى قيد سياسة أمريكا الخارجية، وجعلها تكتفى بتخزين القنابل فى المخازن.. ولا تستطيع أن تضع سياسة خارجية وعسكرية تتماشى مع الموقف الدولى والأسلحة الجديدة. هذا ما قاله هنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأشهر فى أول كتاب صدر له عام 1957 بعنوان «الأسلحة النووية والسياسة الخارجية». وحلا لهذا المأزق الذى يواجه واشنطن صرح كيسنجر فى كتابه: سياسة جديدة تقوم على الحروب الصغيرة حتى لا يفلت الميزان الدولى من أيدى أمريكا، قائلا: كاد الميزان الدولى يفلت من يد أمريكا بعد نظرية التعايش السلمى التى تبنتها روسيا، وجعلت لها نفوذا كبيرا فى العالم وخاصة فى الشرق الأوسط. ولذلك فإن الحروب المحلية أو الحرب الصغيرة كالحرب بين الهند وباكستان أو مصر وإسرائيل هى السلاح الوحيد الذى يوقف توغل روسيا المريب، على أن يكون أحد أطراف هذه الحرب الصغيرة دولة كبرى. ويفضل أن تختار واشنطن منطقة بعيدة نسبيا عن الحدود الروسية والصينية كمنطقة الشرق الأوسط مثلا لتجرب فيها حروبها تلك. قبل أن يصدر كيسنجر كتابه بمدة قليلة كانت حرب السويس بين مصر وإسرائيل التى شاركت فيها إنجلترا وفرنسا، تدعم وجهة نظره تلك.. ولعل ما حدث فيها من صراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتى أوحى له بالفكرة. وأهم شيء فى الحروب الصغيرة يقول كيسنجر أن تعلن الدولة الكبرى أى أمريكا أن الحرب خطيرة وأنها قد تمتد وتتسع لتشمل العالم كله، ولكن يجب الحذر فى ذلك حتى لا ينقلب الأمر إلى عكسه، ويجب إتقان عملية التهديد بالحرب الشاملة إتقانا محكما. ويجب أن تكشف الحرب الصغيرة عن ضعف السوفيت بطريقة استعراضية. كما يقترح اقامة قواعد أمريكية خاصة بالشرق الأوسط تتخصص فى هذه الحروب. وكان هدف كيسنجر من هذه الحروب طبقا لكتابه الذى أثار جدلا كبيرا فى أوروبا وأمريكا، هو الابتعاد عن المواجهة المباشرة بين واشنطنوروسيا كأكبر قوتين نوويتين فى العالم. وبعد أكثر من سبعين سنة على صدور هذا الكتاب فإن سياسة الولاياتالمتحدة لم تبعد كثيرا عما طرحه كيسنجر رغم تغير الحكام من كيندى الذى كان يعمل مستشارا له عندما أصدر الكتاب إلى جونسون لنيكسون إلى فورد لكارتر لريجان لبوش الأب لكلينتون لبوش الابن لأوباما حتى ترامب. لا فرق فى ذلك بين حاكم وآخر جمهورى أو ديمقراطى فأمريكا دولة برجماتية تحكمها مؤسسات لا نزوات وأحلام شخصية. ونلاحظ أن كل الحروب التى حدثت فى المنطقة منذ عام 1956سواء بين مصر وإسرائيل أو إيرانوالعراق أو حتى غزو الكويت أو احتلال العراق أو حرب سوريا، كلها كانت عبارة عن مواجهة مستترة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى أو روسيا الآن. وفى كل حرب كان يتم التهديد بأنها ستكون حربا عالمية ثم تنتهى باستعراض يكشف ضعف السوفيت وانتصار أمريكا باستثناء حرب أكتوبر 1973 التى كانت انتصارا للسلاح السوفيتى ولكن السادات حرم روسيا من هذا النصر عندما ألقى ب 99% من أوراق اللعب فى أيدى أمريكا. الغريب فى الأمر أن العرب لا يتعلمون أبدا ويدخلون حروب الوكالة بكل نزق فى اليمن وليبيا وسورياوالعراق. وتكون هذه الحروب وسيلة لاستنزاف ثرواتهم، دعما لشركات السلاح فى أمريكاوروسيا وأوروبا وتجنبا لمواجهة بين قطبين يتنافسان الصراع على ثروات العالم وفى القلب منه منطقة الشرق الأوسط الغنية والرخوة أيضا. لمزيد من مقالات محسن عبد العزيز;