1 عثروا على جثة الخواجة أندرياس ملقاة أمام «الخمارة» على بعد أمتار قليلة من بركة الأزبكية. السقاء أمين الدواخلى أول من رآها، فصرخ مذعورًا ممزقا عذرية الخيوط الأولى للنور، فهرع نحوه نفر قليل من عابرى السبيل، ووقفوا أمام الجثة ذاهلين، يتأملون بقع الدم المتجمد التى تلطخ صدره ووجهه، حيث ترددت الأصوات معلنة عن حزنهم لمقتل الخواجة اليونانى : - فليرحمه الله.. كان طيبًا ورحيمًا. - وكان لطيفا مع الصغار. - وودودًا مع الكبار. - كم فك ضائقة المحتاجين. - من قتله يا ترى؟ - لعله واحد من المخمورين ليلة أمس. - فليدخله الله الجنة. - فلنبلغ كبير الشرطة، أو الوالى شخصيًا. - هل تريد من محمد على باشا أن يهتم لمقتل يونانى؟ - كلامك مضبوط، فبعد أن قتل المماليك فى مارس الماضى، لن يهتم بمقتل أحد! وانتشر النور فى سماء القاهرة بكثافة، فتجرأ الحضور وانكفأوا فوق الجثة يتأملونها بقلوب مضطربة، أما السقاء أمين الدواخلى فأسرع الخطى نحو دار كبير الشرطة بالدرب الأحمر. 2 وفى الطريق سار يوزع خبر الجريمة مع المياه على الدور التى يمر بها، كما لم يبخل على المارة، رغم قلتهم، وهمس فى أذن كل واحد منهم عن جثة الخواجة أندرياس المنطرحة على قارعة الطريق عند حافة البركة بالأزبكية، فآثار فضول بعضهم فهرعوا لرؤية بقايا المشهد الدموى. وقد ترامت إلى مسامعه دعوات بالرحمة على القتيل، مصحوبة بقليل من اللعنات وكثير من اللامبالاة. وعند مدخل الدرب الأحمر لمح الدار المهيبة لكبير الشرطة محاطة بسياج من الأشجار المعمرة، وعلى بابها يقف حراس من الجنود الأرناؤوط بملابسهم الفضفاضة الزرقاء. من ملامحه أدركوا أن ثمة شيئا خطيرًا، فأمين الدواخلى صاحب وجه معروف لدى رجال الأمن، فهو الذى يمدهم بما يتناجى به الناس فى الأسواق والمقاهى والخمارات من أخبار وآراء وأفكار ونوايا. استقبله كبير الشرطة بمزاج عكر فى هذا الوقت المبكر، لكنه تصرف بسرعة وبحزم، وأمر حراسه بمرافقته على الفور نحو مسرح الجريمة، بينما مضى السقاء يوزع المياه وخبر الجريمة معًا بهمة ونشاط على أهالى المغربيلين والدرب الأحمر. 3 بعد ساعة استيقظ عصفور الحداد مذعورًا على صوت طرقات عنيفة متواصلة على الباب. دهمته الوساوس بشأن أبيه، فمضى نحو غرفته ليطمئن على عودته، فوجده غارقا فى النوم، بينما والدته متسمرة أمام الفرن تعتريها رجفة. هرول الشاب العفيّ نحو الباب ليفتحه، فاقتحم الجنود الأرناؤوط البيت مع أشعة شمس الصباح ودفعوه بكعوب بنادقهم، فاستشاط غضبًا وتراجع إلى الوراء قليلا. فى حين هبّت والدته تاركة الخبز يحترق وهرعت نحو أطفالها النائمين لتصنع حاجزا بينهم وبين الزائرين غير المرغوبين. وقبل أن يستفسر عصفور عن سر الهجمة صرخ قائدهم بلكنة مصرية متكسرة: - أين أبوك سليمان الحداد؟ ولم ينتظروا الإجابة، حيث وجدوه نائما على حصيرة فى الغرفة الأخرى، فانهالوا عليه ضربا وصفعا، فلم يفق، فتوجه اثنان من الجنود إلى الزير الكائن فى زاوية قصية وحملاه وسكبا ما به من ماء فوق الرجل وسط صراخ زوجته وهياج ابنه. وفى لمح البصر خرج الجنود حاملين سليمان الحداد كبهيمة وهو يرنو إليهم بعينين ثقيلتين بينما قطرات الماء تتساقط من شعره الأشعث الغزير، ورائحة الخمر تفوح من فيه! 4 وسرعان ما تطاير الخبر المشئوم فى درب الجماميز (سليمان الحداد قتل الخواجة أندرياس)، وانطلقت من مقهى المعلم فجلة الأصوات العالية فى نبرات من الحدة والعصبية والشفقة : - لا يمكن.. الحداد رجل طيب! - وهو ابن حينا الذى نعرفه ونعاشره من زمن بعيد. - لكن الخمر قادرة على اللعب بالرءوس! - إنه لا يرتاد الخمارة إلا مرة واحدة فى الأسبوع! - لحظة سكر واحدة قد تكون القاضية، وقد تدفع صاحبها إلى ارتكاب الكبائر. - ربما اشتبك معه بسبب الديون! - وهل كان يستدين من الخواجة أندرياس؟ - أجل.. أكثر من مرة كما أخبرنى، لكنه كان حريصا على سداد الدين فى الوقت المحدد، رغم أنه لا يتوقف عن كيل السباب له ويصف الخواجة بأنه مرابِ وظالم!. - إذن.. من الجائز أنه الجانى؟ - ومن الجائز غيره! - مَنْ يدرى؟ - ولكن من لأبنائه الصغار يرعاهم وينفق عليهم! - البركة فى الابن البكر عصفور، فهو ساعده الأيمن فى الورشة! - إنكم تتحدثون كأن الرجل قد مات ودفن! - وهل عاد أحد حيًا إذا ما اقتادته الشرطة إلى سجون الوالى؟ - إذن، فلنذهب إلى كبير الشرطة لنستفسر لعل وعسي! - هذا الأرمنى المخيف لن يرحمه ولن يرحم من يسأل عنه! وساد صمت وترقب، ومع ذلك قرر بعض الرجال الذهاب وهم يرددون بأفواههم (الطف يا رب)، بينما قلوبهم ترتجف وجلا وعيونهم ترشق المتخاذلين والمتقاعسين بنظرات احتقار! 5 زجر الحارس الأرناؤوطى ذو الهيئة المرعبة الشاب الوديع عصفور الحداد وهدده بالقبض عليه إذا لم يبتعد عن بوابة القلعة. ورغم أن عصفور حاول أن يشرح للحارس بكل وسيلة أن والده مقبوض عليه ظلما بتهمة قتل الخواجة أندرياس، غير أن الحارس كان فظا غليظا ولم يسمح له بالدخول لتقديم مظلمته إلى الوالى. تحت أشعة شمس حادة جلس عصفور فى ميدان الرميلة لا يعرف ماذا يفعل؟ لقد انفجر تحت قدميه بركان، فمنذ أن اقتحم العسس منزلهم قبل ثلاثة أيام واعتقلوا أباه، ووالدته تبكى بصمت مؤلم وتحرق خديها دموع ساخنة كل ليلة، ورجال درب الجماميز عادوا من عند كبير الشرطة مطأطئى الرءوس تشى وجوههم بالإخفاق، حيث مضى بعضهم يلهج بالدعاء ويردد (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وأمس قال له شيخ الأزهر مواسيًا: - يا عصفور يا بنى.. لقد استأذنت وقابلت الوالى وكلمته شخصيًا، لكنه رفض أن يفرج عن أى ممن ألقى القبض عليهم على سبيل الاشتباه كإجراء احترازى حتى يتم القبض على المجرم الحقيقى. ثم أضاف الرجل المعمم وهو يهم لأداء صلاة الظهر : - القنصل الفرنسى مستاء جدًا من هذه الجريمة، ويتهم حكومة الوالى بالعجز والتقصير، ويبدو أن محمد على باشا يقلق كثيرًا من غضب القناصل الأوروبيين أو استيائهم. - وما علاقة القنصل الفرنسى بالخواجة أندرياس اليوناني؟ أليست اليونان إحدى ولايات السلطان العثمانى مثل مصر تمامًا، ما يعنى خضوع رعاياهم جميعًا للوالي؟. - يا بنى... إن اليونانيين مسيحيون مثل الفرنساوية، وكلهم أبناء أوروبا، وأظن أن ثمة مصالح مشتركة بين تجار البلدين المقيمين فى مصر. هذا، وعصفور مازال يجلس فى ميدان الرميلة عاجزا، يعبث بشاربه الصغير من فرط التوتر ويرنو إلى القلعة بأسوارها الشاهقة، فيعتصره الألم ويتساءل بوجع: أين أنت يا أبي؟ كيف تكون الحياة وراء هذه الأسوار المخيفة العالية؟ ثم يرفع راحتيه بالدعاء قائلا بصوت مسموع: اللهم ارحم أبى من بطش الوالى، اللهم امحق كبير الشرطة وكل العسس الجبارين، ثم ينهض متوجهًا نحو بيته غير مبال بالصخب المصاحب لزفة عروس تخترق الميدان. 6 انطلق صراخ مخيف زلزل أركان القلعة، فجفلت البهائم فى حظائرها، ونبحت كلاب الحراسة بجنون، وأسرع الخدم والعبيد نحو جناح الوالى، لكن ابنه إبراهيم باشا تلقاهم أمام الباب وسط كوكبة من حراسه ونهرهم قائلا: - لماذا تركتم أعمالكم؟ أو هذه أول مرة تسمعون فيها هذا الصراخ؟ هيا.. وهمس لشقيقه الأصغر الأمير أحمد طوسون الذى وصل إلى الجناح متأخرًا: - مرّ أكثر من شهر على المذبحة، ومازال أبونا يصارع الكوابيس كل ليلة.. تبًا لهذه الحياة. وبعد لحظات خرج الوالى من غرفته مكفهر الوجه مرتديًا ملابسه الرسمية، من رأسه ذات العمامة الخضراء المحبوكة حتى أخمص قدميه ذوى النعلين الجلد المكسو بالفرو والقطيفة الأرجوانية اللامعة. فتعجب ابناه وتبادلا نظرات استفهام دون أن يجرؤ أحدهما على الكلام. وبحركة سريعة توجه الرجل نحو البهو الرئيس فى القلعة، فتبعه الشابان بخطى مرتبكة، وما إن استقر فى مجلسه المعتاد، حتى أحضر الخادم الشيشة، بينما وقف ابناه أمامه بأدب جم، فحط صمت ثقيل لم يقطعه سوى صوت قرقرة الشيشة، وفجأة سأل الباشا وهو يرمق ابنه الأكبر: - ماذا فعلتم فى قضية السيد أندرياس؟ هل أمسكتم بالمجرم؟ فقال إبراهيم: - مازال كبير الشرطة يواصل تحقيقاته مع المشتبه بهم. - أريد القاتل سريعًا لينال جزاءه، فالقنصل الفرنسى زارنى مرتين ويلح فى ذلك، وأنتما تعرفان عمق الروابط بين الفرنسيين واليونانيين هنا فى مصر. فواصل إبراهيم: - سأبلغه بأوامر سموكم بضرورة الوصول إلى الجانى فى أقرب وقت. ثم تجرأ إبراهيم وقال بصوت هامس: - يا أبتى.. لا بد من استدعاء طبيب من فرنسا.. فالحالة تتفاقم.. وصراخك الليلى يمزق الأفئدة. فرنا إليه محمد على باشا بعينين مجهدتين، حيث استرخى على أريكة ترتفع بقوائمها قليلا عن الأرض، وقد غطيت ببساط من الحرير الهندى. أجل.. أجل.. وشت ملامحه المنهكة بأن عمره قد زاد عشر سنوات فى خلال شهر ونصف الشهر هى عمر مذبحة القلعة. مضى يجذب أنفاس الشيشة بنهم، بينما تولى ثلاثة من الخدم السود مهمة جلب الهواء إلى الحجرة الرسمية بمراوحهم الضخمة ذوات الأذرع الطويلة. تأمل الوالى ابنه قليلا بعد أن ضيّق عينيه البنيتين تجنبًا للسعة الدخان المتطاير من أنفه وقال بصوت أجش : - يا إبراهيم.. لماذا من فرنسا؟ وما فائدة الطبيب الإيطالى المرابض هنا إذن؟ فتردد الشاب وقال: - لقد اعترف الطبيب الإيطالى بعجزه عن صد أشباح المماليك الذين يتجولون فى غرفتك كل ليلة فيفسدون عليك لذة النوم العميق. فلوى شفتيه يأسًا، وعاد ليسأل ابنه: - وما رأى كبير السحرة؟ هل أسرّ لك بشيء؟ هل توصل إلى العلاج، أم أعلن عن عجزه مثل الطبيب الإيطالى؟ فهتف الشاب المرتبك: - لا لا.. لم يعلن عن عجزه، لكنه طلب السماح له بليلة أخرى للتشاور مع زملائه. لقد نفذنا أوامركم يا أبتى وأتينا بكل ساحر عليم، ومع ذلك استمر بل زاد ظهور هذه الأشباح الملعونة كل ليلة، ولكن حتى اللحظة لم يخبرونا ما الحل؟ وأمس مررت على كبير السحرة شركان الناغى لأستفهم منه، لكنه أخبرنى أن الأمر لم يتضح بعد، وأنه لا يألو جهدًا للوصول إلى نتيجة قاطعة. فصاح الباشا بعصبية: - إذن.. استدعِ كبير السحرة فورًا. 7 بعد نصف ساعة استأذن إبراهيم باشا وشقيقه طوسون فى الدخول على والدهما، وقد اصطحبا معهما الرجل المطلوب. وقف كبير السحرة شركان الناغى بهيئته الأسطورية بين يدى الوالى. بدا مُسنًا نحيف القوام ذا لحية رمادية كثة وعينين سوداوين براقتين. فوق رأسه طاقية سوداء، وفى يمينه عصا أبنوس، أما بشرته الحنطية فغابة من التجاعيد. سأله الباشا وهو يوزع ناظريه بين ابنيه: - هل توصلتم إلى حل؟ فأجاب الرجل بأدب ونبرة الفوز تشع من عينيه: - كنت سأطلب الإذن بالمثول بين يديكم اليوم لأبشرك بالحل الناجع لهذه المشكلة. فتهلل وجه الوالى وشجعه على المواصلة بهزة من رأسه: - سيدى الوالى.. بعد مناقشات طويلة مع زملائى السحرة وتحليل الكوابيس الليلية التى تنغص عليكم حياتكم، تيقنا أنكم تعرضتم منذ سنتين لسحر أسود ذى تأثير بطيء، لكنه شديد ومخيف، وفك هذا السحر وإبطاله يستلزم وقتا طويلا، وبخاصة أن من حاك لكم هذا السحر الملعون رجل مجرم فاجر من المماليك قتل فى القلعة مع المجرمين الآخرين فى مطلع مارس الماضى. فصاح الباشا وهو يضغط براحته على «لاى الشيشة»: - إذن هو المملوك أردوغان الذى صرخ وتوعدنى بالويل والهلاك كما أخبرونى قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بالرصاصة القاضية، ولكن ما الحل؟ فتنحنح الناغى وقال بصوت رفيع حاد: - سموكم يعرف أن السحر مذكور فى القرآن الكريم، وبالتالى سيصبح لزامًا عليكم إصدار أمر بتلاوة آيات االذكر الحكيم فى جميع غرف القلعة فى الصباح والمساء لمدة ساعة يوميًا، كما يتحتم إطلاق البخور فى غرفة نومك مرتين كل يوم، الأولى بعد أذان الفجر، والثانية قبل أذان العشاء. ثم سكت فجأة، فشعر الباشا أن ثمة أمرًا مهمًا يتردد الرجل فى قوله، فشجعه بابتسامة وقال: - وماذا بعد يا كبير السحرة؟ فتنهد الرجل قليلا وألقى نظرة سريعة إلى ولديّ الباشا ليستمد منهما الشجاعة وقال: - على سموكم أن يأكل كبدًا نيئة لذئب بنيّ اللون عقب صلاة الجمعة مباشرة من كل أسبوع. فاعتدل الباشا فى جلسته وهمّ بجذعه إلى الأمام وصاح مستهجنا باشمئزاز: - ماذا؟ قلت ماذا؟ كبد ذئب نيئة! - للأسف يا مولانا.. هذا النوع من السحر الأسود لا يمكن إبطاله إلا بتناول كبد الذئب النيئة! شريطة أن يكون الذئب بنيّ اللون. قرف لم يكن فى الحسبان، لكن لا مفر أمام لعنة الكوابيس وعذابات الأرق، ونمّت استعادة الوالى لجلسته المسترخية عن رضوخه التام، وتساءل بيأس: - إلى متى سأظل أتناول هذه الكبد الملعونة؟ - إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولا.. إلى ما شاء الله يا مولاي! فتكدس الغم فى عينيّ الوالى، ورنا إلى ابنيه بأسى، فندت عن طوسون نظرة إشفاق، بينما لاذ إبراهيم بالأرض يدفن فيها عينيه. ولما ثقل الصمت على الحضور قطعه شركان الناغى وواصل عرض أساليب القضاء على الأشباح، إذ قال بصوت الواثق: - كما يجب أن تدعك عينيك وجبينك بجناح طاووس عمره شهران تم إنضاجه فى مياه مغلية مزودة بتوابل هندية، على أن تتم عملية الدعك كل ليلة بعد صلاة العشاء لمدة أسبوعين. ما أتعس الرجل المسحور أو المريض بالسحر، وما أشقى المرء الذى تتحكم فى مصيره أكباد الذئاب النيئة وأجنحة الطواويس المغلية، وبيأس المستسلم للمقادير شد الوالى نفسًا عميقًا من الشيشة وقال بصوت حزين: - وماذا بعد يا ناغى؟ فقال الرجل بأداء الختام: - ألّا يتوقف أحباؤك المخلصون الأتقياء الأنقياء عن الدعاء لك عقب كل صلاة فيبتهلوا إلى المولى أن يتم عليك نعمته بالشفاء العاجل والانتصار المظفر فى معركتك اليومية مع النوم. ثم رفع راحته اليمنى إلى السماء وهتف بلهجة النهاية: - والله هو الشافى من قبل ومن بعد. فتمتم الشقيقان مؤيدين كلام كبير السحرة الذى تراجع بظهره وانحنى مودعًا، فنفحه الأمير طوسون كيسًا مملوءة بريالات الفضة، وعاد الباشا يتساءل باهتمام شديد: - وهل تتوقعان أن ينجح الطبيب الفرنسى فى قتل هذه الأشباح الليلية؟ إن كبير السحرة يؤكد خطورة الأمر كما سمعتما! فأجاب الابن البكر قصير القامة ذو البنية القوية: - لو أنها يمكن قتلها ما احتجنا إلى أحد، فنحن - أخى وأنا – كفيلان بها، ولكن المشكلة أنها عدو لا نراه ولا نحسه، ومع ذلك لن نخسر شيئا إذا استدعينا الطبيب الفرنسى واستعنا به. وأردف طوسون باشا ذو الوجه الأبيض المستدير معززًا قول شقيقه: - صحتك يا أبى هى أغلى ما نملك فى هذه الحياة. فابتسم الباشا فى وجه ابنه الأصغر الذى يكن له عاطفة أبوية جياشة، ثم طأطأ رأسه مستسلمًا وقال: - إذن.. استدعيا طبيبًا فرنسيًا. فانشرح وجه إبراهيم وقال وهو ينحنى أمام والده تأدبًا: - سأفاوض الطبيب حتى أحصل على أقل سعر! فرفع الوالى سبابته مؤكدًا ومحذرًا: - ولكن لا تتوقفا ولا تتأخرا لحظة عن تنفيذ أوامر كبير السحرة، فالسحر مذكور فى القرآن الكريم. وقال لنفسه مشمئزا: (رغم أن تناول الكبد النيئة للذئب أمر مقرف ومزعج، إلا أن الفوز بالنوم العميق يستحق هذه المعاناة). ونظر إلى ابنه البكر وقال فى سريرته متعجبًا.. ممّن تعلم البخل هذا الفتى إبراهيم؟ ثم أردف بلهجة آمرة: - بلغ كبير الشرطة أننى أريد معرفة قاتل السيد أندرياس بأقصى سرعة. فحرك الابن رأسه استجابة للأمر، بينما مرّت على وجه الوالى غمامة ضيق عندما تذكر غضب القنصل الفرنسى وهو يطالبه مشددّا بالوصول إلى الجانى سريعًا.