تكشف الأفلام الطويلة المعروضة فى مهرجان السينما العربية بباريس الذى انطلقت فعالياته منذ يومين تعقد قضايا العرب وتشابكها وتغير طبيعتها عما عانوه طوال عقود طويلة، فى فيلم «بنزين» للمخرجة التونسية سارة العبيدي، يهاجر حميد هجرة غير شرعية لإيطاليا، ونرى تأثير الهجرة على والده ووالدته اللذين يتحطمان وجدانيا بفعل اختفاء فلذة كبدهما المفاجئ عن حياتهما. لأنه سافر دون علمهما وتركهما فى الحيرة اذا ما كان حيا أم ميتا، ويلقى الفيلم بظلاله على تكرار تلك المأساة فى عدد كبير من البلاد العربية التى يرحل الشباب من ابنائها تاركين وراءهم آلام اسرهم الملتاعة، الصورة الذهنية عن الحياة الرغدة فى بلاد اوروبا هى ما تحتل أذهان الاجيال الجديدة دون ان يعرفوا حقيقة الوضع فى الغرب، والحقيقة ان هذا الموضوع تم تقديمه أخيرا فى فيلم تونسى آخر هو «ولدى» اخراج محمد بن عطية والذى عرض فى الدورة الاخيرة لمهرجان كان السينمائي. والذى قدم بدوره والدين مكلومين من رحيل ابنهما المفاجئ للمشاركة مع التنظيمات المسلحة فى سوريا، وهى قضية جديدة من إفرازات العولمة، الفيلم اللبنانى «وليمة غذاء» للوسيان بورجيلي، يطرح بعدا آخر للقضايا العربية وهو بعد التشرذم الاسرى والفجوة الكبيرة بين الاجيال نتيجة اختلاف المفاهيم، والحكاية تدور من خلال لقاء أسرة يوم شم النسيم لتناول الطعام معا، وبدء قضائهم أوقاتا رائعة حتى تنفجر الخلافات العميقة بينهم بسبب حادث صغير. شبح الموت الذى اصبح يخيم على مختلف اركان عالمنا من المحيط للخليج جعل السينمائيين الشباب يضعونه فى موقع الصدارة فى أفلامهم، فالجزائرية ياسمين شويخ اختارت بطل فيلمها «حتى نهاية الزمان» حارس مقابر بمنطقة بولكبور، يقابل هذا الرجل سيدة اسمها جوهر جاءت لزيارة قبر أختها، ويشعران بالارتياح لبعضهما البعض ويقضيان اوقاتا طويلة فى المقابر وكأنها المهرب الوحيد لهما من العالم الصعب خارجها. فيلم السورى جود سعيد الذى يحمل عنوان «الرجل والمقبرة» يحكى هو الآخر عن الموت، بالطبع الموت فى سوريا الذى اصبح اكثر من الحياة هناك، من خلال ممثل سينمائى معروف يطلب منه مصاحبة جثة ابن عمه بيرم الذى قتل فى الحرب، ومن خلال الهواجس والكوابيس التى تنتابه، تتغير رؤيته للحياة، وكأن التفكير العميق فى الموت كان سببا لتغير رؤيته للحياة. موضوعات النساء، لا تغيب هى الأخرى عن مهرجان السينما العربية بباريس. المرأة لدينا دائما تعانى أكثر وتحدياتها تكون اكبر وصراخها يكون أعلي، الفيلم المغربى «الحاجات» للمخرج محمد عاشور يحكى عن اربع نساء طاعنات فى السن يجتمعن ويقررن تغيير حياتهن، وبمساعدة شاب وزوجته يستطعن لفت انظار كل من حولهن. الموضوع ليس بعيدا عن فيلم «قماشتى المفضلة» للسورية جيا جيجى التى تحكى عن شابة سورية وآلامها النفسية وقت بداية الحرب فى سوريا، بين مشاعرها النسائية المضطربة، وحال اسرتها الفقير المتعثر، تحاول ان تعثر على نفسها. ترفض عريسا سوريا جاء من امريكا للزواج ليطير بعروسته، فتنقض اختها على العريس وتفوز به، لتتراوح أيامها بين الواقع والأحلام المزعجة وهى لا تعرف هل ظروف بلدها أفقدتها الاحساس أم أفقدتها هويتها، ونفس هواجس النساء تتكرر فى الفيلم المغربى «صوفيا» لمريم بن مبارك، وهو عن فتاة فى العشرين أنجبت دون زواج وأصبحت تعانى من كل من حولها بسبب إصرارها فى الحفاظ على الطفل وولادته، يعطيها مستشفى الولادة 24 ساعة لإحضار الوثائق الرسمية التى تثبت زواجها، فتمضى هائمة على وجهها فى كابوس متحرك، وكان لابد للسينما العراقية ان تدلو بدلوها فى قضايا العولمة، فيقدم المخرج محمد جبارة الدرادجى قصة مؤثرة عن امرأة انتحارية تنوى تفجير نفسها، لكن قبل ان تنفذ العملية تقابل بائعا بمحطة بغداد وتقع فى حبه، فجأة تتغير كل خططها بسبب مشاعر محرومة منها وكانت ستودى بها الى الموت. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف