لقد أصبح من المسلمات البديهية أن مشكلاتنا الاقتصادية والإدارية لا ترجع أساسا الى نقص فى الموارد والإمكانات فحسب، بقدر ما هى فى حالات كثيرة مشكلات سلوكية ترتبط بتفشى العديد من الظواهر السلبية والتصرفات السلوكية السيئة من بعض أفراد المجتمع والتى انعكست آثارها على كفاءة أداء العمل وخطط وبرامج التنمية الشاملة. ولا شك أن الفساد الإدارى هو واقع ملموس فى جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية.. لأن حياة البشر زاخرة بالصراع بين الحق والباطل، ومسيرة الإنسان على وجه الأرض محفوفة بمخاطر المواجهة بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة. وفى مصر توجد رغبة قوية سياسية، وإرادة حكومية لمحاربة الفساد إدراكا لخطورته المدمرة لجهود التنمية والإصلاح الإداري، حيث يعد الفساد فى أخطر ما يواجه خطوات وبرامج الإصلاح الإدارى الشامل الذى تعده وزارة التخطيط وتشرف على تنفيذه بكفاءة عالية. ولقد رصدت الدراسات العديد من صور الفساد ومظاهره السيئة والتى نتج عنها ممارسات سلبية خاطئة من إهدار المال العام والتربح من الوظيفة العامة، وتقاضى الرشوة والتعدى على أراضى الدولة، ومخالفة القوانين واللوائح، وتفشى الإهمال واللامبالاة، وعدم الاهتمام بواجبات ومسئوليات الوظيفة العامة، وغيبة النزاهة فى السلوك العام والخاص، وغير ذلك من الظواهر السلبية والممارسات الخاطئة التى ترتبط بلا شك بالسلوك الوظيفى لبعض العاملين داخل الوحدات الإدارية المختلفة. ولا شك أنه لا يوجد فى مصر تستر على الفساد حيث تواجهه بكل قوة القيادة السياسية، كما أن هناك العديد من الأجهزة الرقابية المختصة بالكشف عن الفساد ومقاومته، وعلى قمة هذه الأجهزة هيئة الرقابة الإدارية التى تؤدى دورا عاما متميزا فى هذا المجال بكل كفاءة واقتدار، كما أنه يوجد أيضا قضاء نزيه وعادل يشارك فى هذا المجال. ومن ثم إذا كنا نتطلع الى اتخاذ إجراءات فعالة لمقاومة مثل هذه الصور من الفساد الإدارى والانحراف الوظيفى فإن الأمر يتطلب ضرورة تشديد القوانين الصارمة لمنع إهدار المال العام ومحاسبة جميع مظاهر الفساد الإداري. كما أن الأمر يتطلب ضرورة التدخل التشريعى والنص فى قانون الوظيفة العامة الجديدة على ضرورة الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة فى ممارسة العمل الإدارى فى كل وحدات الجهاز الإدارى للدولة وتأكيد ضرورة تقديم الخدمة الحكومية للمواطنين بنزاهة وتجرد وابتعاد تام عن تضارب المصالح والأمانة والنزاهة وطهارة اليد واحترام القانون، والتعامل بموضوعية وحياد تام. إن الآمال كبيرة أن يشهد الجهاز الإدارى للدولة خلال الفترة المقبلة نقلة نوعية فى مجال الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة إذ هى المدخل الصحيح لمكافحة الفساد والإسهام الجاد فى تطوير وتحسين السلوك الوظيفى وعودة الضمير الغائب لدى البعض. لمزيد من مقالات ◀ د. حسين رمزى كاظم