.. لا أحد يجادل في أحقية جماعة الإخوان المسلمين في أن يحكموا مصر, فهم قطاع مهم من الشعب المصري وظلوا مهمشين فترة طويلة.. ودخل عدد من قياداتهم إلي السجون وأطلق عليهم النظام السياسي السابق اسم الجماعة المحظورة.. أيا كان الأمر, ومهما كانت مسمياتهم فمثلما حكم الشيوعيون في زمن عبدالناصر, ومثلما حكم الرأسماليون في زمن السادات, ومثلما حكمت الليبرالية الجديدة في زمن مبارك.. فمن حق الإخوان المسلمين كجماعة, ومن حق حزب الحرية والعدالة كتنظيم أن يحكم وهو ما يحدث الآن, باعتبار أن رئيس الجمهورية كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة المسمي بالجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.. ويتمتع بعضوية هذه الجماعة رئيس مجلس الشوري, وكذلك رئيس مجلس الشعب المنحل.. أيا كانت الأحوال لا أحد يماري في حق هؤلاء المصريين في أن يتولوا إدارة شئون البلاد بما أنهم يملكون حاليا الشرعية الدستورية وقد اختار الشعب المصري رئيسه بمحض إرادته وفي حرية تامة. لكن يحز في نفس الإنسان أن يجد النظام السياسي الجديد يتبع النظام القديم في معالجة حادث رفح والذي يدفع الثمن هو سكان سيناء المشكوك في وطنيتهم دائما, وبدلا من أن تقوم بقتلهم إسرائيل التي لديها مشاريع لاحق لها في سيناء أقلها أن تكون وطنا بديلا للفلسطينيين.. يقوم الجيش المصري بقتلهم وبمباركة رئاسية.. وبالتالي أصبح الشعار الجديد: أنت سيناوي.. إذن أنت خائن! إسرائيل يا قوم التي بني استراتيجيتهم الاخوان المسلمون علي مناهضتها.. كيف تصبح في زمنهم بردا وسلاما علي المصريين؟! إننا نتكلم ونتوعد أهل سيناء عما اقترفت يداهم وننسي إسرائيل التي لا أعتبرها بريئة تماما مما حدث في رفح..! فكلنا يعرف أن معاهدة السلام المشئومة هي التي حددت الوجود العسكري المصري عددا وعتادا في سيناء, مما أدي الي فراغ مصري في أرض مصرية.. ونعرف أيضا أن المنطقة( ج) خالية من العسكر المصريين اللهم إلا بشكل رمزي.. في حين أن المنطقة( د) التابعة لإسرائيل مكتظة بالعسكر الإسرائيليين من كل لون وصنف, وهذه بالله قسمة ضيزي!!وكنا نعرف أن الأسرار المحجوبة عن المصريين بمقتضي هذه المعاهدة المشئومة وكذلك ملاحقها الأمنية السرية أهم ألف مرة من المعاهدة ذاتها.. لكن لم يتكلم أحد في حينها. واليوم وربما قبل اليوم أدركنا أن الفراغ الناجم عن هذه المعاهدة هو الذي أغري ضعاف الوطنية في غزةوسيناء بعمل هذا الإجراء الإجرامي الذي أودي بحياة شهداء أبرار.. لكن هذا لا يعني أن الغزاويين والسيناويين كلهم من الأشرار الذين لا يريدون لمصر أمنا ولا أمانا!فالمجاهد الفلسطيني الشهير مروان البرغوثي قد أوعز بعض ضعاف النفوس من الغزاويين إلي الإسرائيليين باسمه ومكانه.. وبرغم ذلك لم يقل أحد أن أهل غزة كلهم من الجواسيس! أريد أن أقول كما يقول رجال البوليس في كل مكان.. من المستفيد مما حدث في رفح! والإجابة التي لا إجابة غيرها هي إسرائيل! إذن فهي التي تقف وراء الحادث الدامي بقضه وقضيضه! فقد ساءها كثيرا التقارب الذي حدث بين غزة ومصر, وساءها أكثر زيارة اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إلي مصر, وكذلك خالد مشعل وساءها أكثر وأكثر الدور الذي تقوم به مصر في التقريب بين فتح وحماس.. وهذه أمور لا افتئات فيها لان كبار المسئولين في إسرائيل وعدد من الوزراء هناك أسفوا لهذا الدور وتمنوا ألا يحدث تقارب بين الدم الفلسطيني الواحد. وبالتالي كان من مصلحة إسرائيل التي ينقطع حبل الود مع مصر الجديدة وهذا ما نخشي حدوثه, خصوصا أن العلاقة بين النظام المصري وحماس ضعيفة وقد سارت فيها مياه كثيرة في زمن النظام السياسي السابق الذي أثبتت التجربة أنه لم يكن يعمل إلا لمصلحة شعب إسرائيل! إسرائيل هي المستفيد الأول من العمليات العسكرية التي تستهدف تمشيط سيناء.. ولن ننسي أن البؤر الإرهابية التي يتحدثون عنها اليوم نشأت بدعم إسرائيل في غيبة الأمن المصري.. الذي أكد الكثيرون أنه كان غائبا طوال السنوات الماضية لحساب الأمن الإسرائيلي, الذي كان يصول ويجول في سيناء كما يحلو له دونما تعليق من النظام السياسي السابق.. ولكن كنت في شك مما أقول.. أذكر أن عشرات الجنود المصريين قد قتلوا علي الحدود المصرية الإسرائيلية دون أن يطلب النظام السياسي السابق من إسرائيل الاعتذار.. نحن يا قوم نتصرف مع أهل سيناء وكأنهم من طينة أخري غير الطينة المصرية.. ونتعامل مع إسرائيل وكأنها دولة في أمريكا اللاتينية وليست دولة جارة لنا معها حدود وبيننا وبينها معاهدة سلام حاكمة. إسرائيل مرة أخري هي المستفيد الأول وقد صنعت ما صنعت لنقوم نحن بقتل السيناويين.. ولو حدث العكس وقامت إسرائيل بقتلهم لانتفض الشعب المصري.. ولذلك جعلتنا من خلال هذه العملية الدنيئة أن نقوم نحن في مصر بالدور المنوط بها وهو قتل أهل سيناء.. ولذلك تقدم لنا الدعم اللوجيستي والاستخباراتي وقلبها يرقص فرحا لأننا نقوم بما كانت تتمني أن تقوم به, ولكن بالوكالة التي برعت فيها صديقتها الكبري أمريكا! وما يحز في نفسي كمصري, أن تقع بلدي في الفخ وهو محاربة الإرهاب! ذلك الطريق الجديد التي تحاول أمريكا تزعم العالم عن طريقه.. فهناك في أمريكا باحثون يرون أن الحرب علي الإرهاب هو استراتيجية أمريكية بلا منازع, ولقد أستتب الحكم مرتين لجورج دبليو بوش عن طريقه, واليوم يحاول البعض من هؤلاء الباحثين تصوير الحرب علي الإرهاب وكأنها الحرب العالمية الثالثة لكي ينجح أوباما في الدورة الثانية أيضا, وهذا معناه أن الحرب في سيناء علي الإرهاب خطة إسرائيلية أمريكية, ولقد ابتلعت مصر الطعم وأصبحت كاليمن وليبيا وتونس والبحرين, وكنت أري أن مصر يجب أن تنأي بنفسها عن هذا الطريق ولا تنفذ ما تخطط له أمريكا وإسرائيل.. وقديما كان يقول لنا خبراء غربيون إن مصر هي الجندي الخامس في الشرق الأوسط لمصلحة أمريكا وإسرائيل.. فلم نكن نصدق, ثم تبينا أن هذه حقيقة, واليوم لا نريد أن نصدق أن النظام السياسي الجديد يفعل الشيء نفسه وننكر أن جماعة الاخوان المسلمين الحاكمة تقوم استراتيجيتها علي مناهضة إسرائيل التي لا تريد إلا أن تظل مصر مشغولة بالداخل وأن تظل علي الحياد.. بدعاوي كثيرة انها جنبت مصر الحروب.. ثم يتم استفراد إسرائيل بالدول العربية الواحدة وراء الأخري.. وهذا ما تم فعلا في تونس وثورتها, وليبيا, واليمن وسوريا.. والبقية تأتي.. وإلا أين مصر مما حدث في هذه الدول..؟ مصر غائبة عربيا وإفريقيا واقليميا وهذا الغياب أثلج صدر إسرائيل ومازال.. ورسالة الطمأنة التي قامت بها السيدة هيلاري كلينتون لإسرائيل بعد زيارتها مصر لم تكن تخلو من هذا المعني! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي