كُلُّ شىء من عِنْدِ الله، مَنْ يَهْده الله فلا مُضِّل له ومن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ له. فالكُلُّ من الله، والمنة من الله والتوفيق والهداية من الله. ولا تفتخر أيها المؤمن بعملك فإنما عَمَلُك مخلوق لله، وما قدرت عليه إلا بتوفيق الله لك وأنه قد أَذِنَ بهدايتك. وكانت الصحابة رضى الله عنهم يقولون: «مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِنِعْمَةٍ بَعْدَ نِعْمَةِ الإسلام »، فهم يعلمون أن نعمة الإسلام لا تُقَدَّرُ ولا تُقَوَّمُ بشيء. فيجب أن نشعر بنعمة أن الله عز وجل قد هدانا للإسلام من غير حول منا ولا قوة، ولو أرادنا من أولئك الذين قد غَضِبَ عليهم أو أَضَلَّهم لجعلنا منهم من غير حول منا أيضاً ولا قوة، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. ويجب بعد أن أَنْعَمَ اللهُ عليك بهذا أن تَقُومَ حيثما يرضى الله وأن تُطَبِّقَ على نفسك ما أراده الله منك. عن أنس بن مالك، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله، قال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته ماء من وضوئه معلق نعليه فى يده الشمال، فلما كان من الغد قال رسول الله: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولي، فلما كان من الغد قال رسول الله : «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولي، فلما قام رسول الله، اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إنى لاحيت أبى فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليال، فإن رأيت أن تؤوينى إليك حتى تحل يمينى فعلت، فقال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه بات معه ليلة أو ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل بشيء، غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر فيسبغ الوضوء، قال عبد الله: غير أنى لا أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال كدت أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنه لم يكن بينى وبين والدى غضب ولا هجرة، ولكنى سمعت رسول الله يقول ثلاث مرات فى ثلاثة مجالس: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت تلك الثلاث مرات، فأردت آوى إليك فأنظر عملك، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذى بلغ بك ما قال رسول الله? قال: ما هو إلا ما رأيت، فانصرفت عنه، فلما وليت دعاني، فقال: «ما هو إلا ما رأيت غير أنى لا أجد فى نفسى غلا لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه» فحُسْنُ الأَحْوَالُ ينتج منه حُسْنُ الأعمال.