ينبغى التوقف بجدية أمام ما يحدث فى تليفزيون الدولة، الذى يجرى تمويله من المال العام، وباتت خسائره المليارية على كل لسان. لأنه صار وسيلة إيضاح لعيوب اجتماعية كان من المُفتَرَض أن يشارك فى علاجها أو على الأقل أن يسلم منها. فلقد ساد الإذعان للفساد الصغير فى القطاعات الأخرى بطول البلاد وعرضها، عبر سنوات ممتدة، باستخدام الوساطات والرشاوى فى توظيف المحظوظين، من منعدمى الكفاءة، ولكن فى أعمال بعيدة عن العين، حيث يمكن التستر على تدهور مستواهم، وفى حماية شهود الزور الذين يشيدون بمهارات غير موجودة وبالتزام غائب..إلخ. ويبدو أن التواطؤ على الأمر والاستسلام له قد قوَّى عزم البعض إلى أن يتنازلوا عن الحماية التى يوفرها الابتعاد وأن يذهبوا بأنفسهم إلى حيث الأنظار، بل فى قلب الأضواء، فقبلوا، وتقبَّلوا، أن تشارك هذه النوعية فى العمل على شاشات التليفزيون، مع عدم الاكتراث بالأخطاء التى صارت مدوّية على الهواء، مع تساهل غير مسبوق فى أبسط شروط العمل، مثل إجادة قواعد اللغة العربية، وسلامة جهاز النطق ووضوح مخارج الحروف، وتمرير من تعوزهم سرعة البديهة والتدفق وخفة الدم والقدرة على الاختصار فى طرح السؤال وعلى إدارة الحوار بلباقة، بل ظهر من يعانون فقراً رهيباً فى المعلومات حتى المتداوَل منها، ثم حدث تنازل عن الجمال والأناقة كمبررات قديمة للعمل، كما ظهرت أخطاء قلة الكياسة بمقاطعة الضيوف، ضد قواعد المهنة وأبسط المجاملات الاجتماعية، ثم جاء استكمال الكارثة بغياب الابتسامة وحلول التجهم بل والاستعلاء أحياناً..إلخ! ولم يبرأ من هذا سوى أعداد محدودة لا يمكن لوجودها وأدائها أن يغير من سوء الصورة!. فأما التحجج مع بداية الظاهرة قبل عقود بأن هؤلاء أهل ثقة وأنهم يخدِّمون على النظام، فقد أثبتت ثورة يناير أن النتائج كانت عكسية، بل إن التظاهرات كانت تهتف ضد كبار المسئولين عن هذه الفكرة وتطبيقاتها. وأما أجهزة الرقابة المكلفة بحماية المال العام، فكان ينبغى أن تتدخل وتتحرى وتحقق وتوجه الاتهامات عن المسئولين عن توظيف هؤلاء، مع المعلومات المؤكدة عن انفضاض المشاهدين والمعلنين، والتسبب فى تبديد المال العام! والأدلة الدامغة متاحة على الهواء ومسجلة فى الأرشيف. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب