من أجمل ما اقرأ هذه الأيام الكتاب البديع إحياء علوم الدين لحجة الاسلام الإمام ابو حامد الغزالي والذي كنت قد قرأته مرات عديدة, وأعود إليه لأرتشف من فيض فلسفته وأبحر مع أفكاره في رحلة أتمني الانتهني. وفي عجاله سريعة نعيش معا ما قاله الامام الجليل عن الجوع وفوائده حيث اعتبر ابو حامد الغزالي أن الجوع هو المؤدب الأول لشهوة البطن التي هي ينبوع كل الشهوات المهلكه للإنسان, فمنها يتفرع شهوة الفرج وشهوة الرغبة في المال والجاه ثم آفة الرياء والتفاخر والبغي ثم الحسد والعداء والبغضاء. ويكفي أن نعلم أن شهوة البطن كانت سببا مباشرا لإخراج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة. وقدم الإمام الكبير بشكل فلسفي رائع فوائد الجوع وآفات الشبع نوجز بعضا منها: الجوع يؤدي إلي صفاء القلب وانفاذ البصيره, لأن الشبع يورث البلاده ويعمي القلب.... والصبي إذا أكثر من الطعام بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطئ الفهم والادراك. الجوع يؤدي الي الانكسار والذل وزوال البطر والفرح الذي هو مبدأ الطغيان والغفله عن الله سبحانه وتعالي. لذلك لما عرضت الدنيا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم رفضها وقال أجوع يوما وأشبع يوما, فإذا جعت صبرت وتضرعت, وإذا شبعت شكرت ألا ينسي بلاء الله وعذابه, فذكرالجائعين والمحتاجين أحد فوائد الجوع لأن ذلك يدعو للرحمة والشفقه علي خلق الله... والشبعان في غفله من الم الجائع. الجوع يكسر شهوات المعاصي كلها, لأن منشأ المعاصي كلها الشهوات ومادة الشهوات لامحاله الأطعمة, فتقليلها يضعف كل شهوه. الجوع يدفع النوم عن العيون, لأن من شبع وملأ بطنه كثر نومه, والعمر رأس مال الأنسان وكثرة النوم هي موت وضياع للعمر وفوت لسنه التهجد. نستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض... وفي الحديث صوموا تصحوا من تعود قله الأكل كفاه من المال قدر يسير. قلة الأكل تؤدي إلي الإيثار والتصدق بما فضل من الأطعمه علي اليتامي والمساكين, فيكون صاحبها في ظل صدقته يوم القيامة.