قدم الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الاسبق، وأحد اساطين الاصلاح فى المؤسسة الدينية فى مصر خلال النصف الاول من القرن الماضى، صورة شديدة العصرية لما ينبغى ان يكون عليه «شيخ الإسلام»، فقد كان رحمه الله فضلا عن كونه أحد الفقهاء المجددين فى الفكر الاسلامى، شاعرا مولعا بالموسيقى، وبخاصة الموسيقى الصوفية، الى جانب كونه مؤلفا ومحققا للمخطوطات، لا تزال مؤلفاته فى علوم الطب والتشريح، ورسائله فى علوم الهندسة والبلاغة والرياضة والفلك، باقية حتى اليوم، الى جانب ما انتجه من تصانيف فى العلوم الشرعية، متاحة للباحثين فى مكتبة رواق المغاربة بالأزهر الشريف. كان الشيخ حسن العطار أحد أبرز الاصوات التى نادت بإصلاح الأزهر، باعتبار ذلك هو اول خطوة على طريق إصلاح التعليم فى مصر، وقد وصفه الجبرتى فى كتابه الاشهر «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، بأنه «صاحب الإنشاء البديع، والنظم كزهر الربيع»، ومما ينسب له فى ذلك قوله: «من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، فى ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار». تولى الشيخ حسن العطار مشيخة الأزهر وهو فى الخامسة والستين من عمره، فقدم نموذجا لما ينبغى أن يكون عليه الازهر، كقلعة لعلوم الدين والدنيا معا، فقد كان رحمه الله هو أول من شجع على ارسال البعثات العلمية إلى أوروبا، واختار تلميذه رفاعة الطهطاوى رئيسا لاحدى البعثات العلمية التى انطلقت إلى باريس، وهى البعثة التى دون الطهطاوى مشاهداته خلالها فى كتابه الشهير «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، متأثرا فيه بأسلوب شيخه الذى قال فيما قال: إنى لأكره فى الزمان ثلاثة/ ما إنْ لها فى عدها من زائدِ/ قرب البخيل وجاهلا متفاضلا/ لا يستحى وتودد ابنٍ حاسد/ ومن الرزية والبلية أن تري/ هذى الثلاثة جمعت فى واحد. ظل الشيخ حسن العطار على امتداد حياته التى قاربت الثمانين، شغوفا بالمعرفة، ينهل من كل ما تقع عليه عيناه من مختلف العلوم المعروفة فى عصره، وقد دفعه شغفه بالعلم كما قال على باشا مبارك، الى التعرف على بعض علماء الحملة الفرنسية، فاطلع على تجاربهم وعلومهم، فى مقابل تعليم بعض الراغبين منهم فنون اللغة العربية، اذ كان يرى فى مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر مكسبا كبيرا، من شأنه أن يفتح عيون العلماء على حقائق علمية كبيرة كانت خافية، ولعل انفتاحه الكبير على مختلف الفنون والعلوم والمعارف، كان هو الاساس الذى ارتكزت عليه دعوته الإصلاحية التى اطلقها فى نهايات القرن الثامن عشر، وهى الدعوة التى لا يزال كثير من المنغلقين ومعدومى الفهم، ينظرون اليها حتى اليوم باعتبارها كارثة حلت على الأزهر، وهدمت اركانه كجامعة كبرى لعلوم الفقه والشريعة.