تعانى الحياة العامة ظاهرتى موت السياسة، وموت الأحزاب السياسية، ومن ثم فقدان الحيوية السياسية والجيلية، وروح المبادرة فى المجال العام، ومن ثم عاد الحديث إلى ضرورة إنشاء أحزاب كبيرة ذحزبين للحكم والمعارضة- لتنشيط العودة للسياسة، ولاستقطاب قطاعات جيلية شابة إلى قلب الحياة الحزبية وإحيائها بعد مواتها المستمر منذ التعددية الحزبية المقيدة فى عهدى السادات ومبارك. يبدو أن الدعوة الجديدة/ القديمة تعود إلى عديد الأسباب، وعلى رأسها: اعتماد الحكم فى الولاية الأولى للرئيس على مجموعات مؤيدة لسياساته، تشكل الأغلبية البرلمانية دعمت سياسات الحكومة المتعاقبة، ومررت مشروعات القوانين التى تقدمت بها خلال هذه المدة، إلا أنها تبدو غير متجانسة، ولا رابط بينها على المستوى الإيديولوجى أو البرنامجى فضلا عن ضعف أدائها السياسى والتشريعى والرقابي، وهو ما أدى إلى فجوة بينها، وبين شرائح اجتماعية مختلفة من المواطنين. والحاجة إلى ضرورة إنتاج حيوية نسبية للنظام السياسى على المستوى الجماهيرى تؤدى إلى بعض من الإيجابية على المستوى الدولى السياسى والإعلامي. والحاجة إلى حزب «حاكم» جديد قادر على جذب قطاعات جماهيرية مؤيدة إلى عضويته. وتشكيل حزب معارض كبير يؤدى إلى تأسيس حياة سياسية على نمط الحزبين الكبيرين لتنشيط الحياة الحزبية، وضم بعض الأحزاب الصغيرة إلى صفوفه، وذلك فى إطار لعبة المعارضة السياسية لحزب حاكم كبير فى السلطة والحكم. الدعوة لبناء حزبين كبيرين «حاكم ومعارض- ليست جديدة فى تاريخ الأحزاب المصرية منذ التعددية الحزبية والسياسية الثانية فى عهد السادات، ومن ثم تثير العديد من المسائل: أولا: الأزمات الممتدة للأحزاب السياسية حتى موتها: كانت التعددية السياسية الشكلية والمقيدة تعبيرا عن سياسة اللا سياسة منذ تأسيس نظام يوليو التسلطى ورأسمالية الدولة البيروقراطية، ومن ثم ولدت الأحزاب معاقة بعديد من الأمراض والأزمات السياسية وعلى رأسها الجفاف الجماهيرى والاجتماعي، وضعف تكوينها من الشرائح الاجتماعية العريضة لصالح قلة حزبية محدودة الأعضاء. والجمود الجيلى وشيخوخة القيادات الحزبية العليا والوسيطة لبعض الأحزاب المعارضة والحكومية. وعزوف الشباب عن المشاركة الحزبية. وغياب التقاليد الديمقراطية فى العلاقات الداخلية بين القاعدة الحزبية والبناء القيادى العلوي، ومركزية اتخاذ القرارات من أعلي. والقيود القانونية والأمنية على إنشاء الأحزاب السياسية. وضعف عديد البرامج الحزبية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم واقعيتها مع المشكلات الهيكلية التى تعانيها منها البلاد. وغياب مراكز للتكوين الحزبى للكوادر وتأهيلها للعمل السياسي. وتمركز بعض هذه الأحزاب داخل مقارها فى العاصمة وغياب مقار وأنشطة لها فى المحافظات والمدن إلا قليلاً، ومن ثم ابتعادها عن الفعالية السياسية على المستوى الوطني. وتزايد القيود الإدارية والأمنية والقانونية المفروضة على المجال العام السياسى منذ نظام يوليو، إلى انتفاضة يناير 2011 وحتى نهاية المرحلتين الانتقاليتين الأولى والثانية. ثانيا: بناء الأحزاب من أعلي: أحد أكبر المخاوف من تشكيل حزب سياسى داعم للحكم، هو عدم الاستفادة من أخطاء تجارب بناء الأحزاب من أعلي، وخضوعها لأجهزة الدولة، وفقدانها للحيوية والجاذبية إلا لبعض العناصر الطامحة لتحقيق مكاسب من انخراطها فى عضوية الحزب الحاكم. من ناحية ثانية, سيطرة الطابع البيروقراطى فى عمل الحزب، وانسداد فرص الحراك القيادى من المستويات الأولى القاعدية إلى أعلى الهيكل القيادي. من ناحية ثالثة, اعتماد الحزب على السلطة وتحوله إلى عبء عليها، وأسير لها. ما ينطبق على تشكيل حزب حاكم على هذه السوية يجرى على تشكيل حزب معارض كبير لا يعدو أن يكون فاعلا سياسيا تابعا فى دور المعارضة يسعى لبعض المقاعد البرلمانية فى الانتخابات العامة. من ناحية أخرى لا يستطيع هذا الحزب أن يجذب قطاعات جيلية شابة تضفى على عمله ونشاط الحيوية السياسية والجيلية فى حركته الجماهيرية ومعارضته السياسية. ثالثا: الأحزاب الجديدة والبرلمان الحالي: تطرح مسألة إنشاء حزبين كبيرين فى السلطة والمعارضة مسألة بقاء البرلمان الحالى وتشكيلْه ونمط العضوية اللا سياسية داخله، فى علاقته بالأحزاب الجديدة أو القديمة، لأن بقاءه إلى نهاية مدته، سوف يؤدى إلى فجوة سياسية كبيرة بين الحزب المعارض الجديد، وبين ما يجرى فى البرلمان، بل وبين بعض عناصر الحزب الحاكم الجديد وجُلَ عناصره من داخل البرلمان الحالي، وبين بعض الأعضاء الجدد من خارج البرلمان. رابعا: السيناريوهات المحتملة: السيناريو الأول: بقاء البرلمان واستكمال مدته ومهمته فى المرحلة الأولى لولاية الرئيس، وذلك لعديد الأسباب وعلى رأسها استكمال مهامه التشريعية لا الرقابية المعاقه لضعف مبادرات أعضائه. والتمهيد للانتخابات البرلمانية القادمة، وتعديل الدستور ثم حل البرلمان. السيناريو الثاني: حل البرلمان لتجديد الحيوية السياسية فى البلاد والولاية الثانية للرئيس ويرمى هذا الإجراء إلى تنشيط الحياة السياسية للبلاد وتجديد بعض خلايا نظام الشرعية السياسية. ودفع الشباب للمشاركة السياسية. وإعادة توظيف فائض الغضب السياسى فى أطر وقنوات حزبية وسياسية سلمية. هذا السيناريو يقف إزاءه عديد العقبات، وعلى رأسها الخوف من عدم الاستقرار ودخول عناصر إخوانية إلى الأحزاب الجديدة، فى ظل المواجهات الضارية الأمنية ومن قوات حفظ النظام ضد المنظمات الإرهابية فى سيناء أو داخل البلاد. لمزيد من مقالات ◀ نبيل عبدالفتاح