تصل بعثة صندوق النقد الدولي للقاهرة عقب عيد الفطر المبارك بناء علي دعوة الحكومة المصرية لاستكمال المفاوضات للحصول علي قرض من الصندوق بقيمة3.2 مليار دولار كجزء من التمويل المطلوب لتغطية فجوة تمويل برنامج الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي اعدته الحكومة والمقدرة بنحو12 مليار جنيه, وعودة البعثة تفتح من جديد الحديث عن ضرورة الاقتراض الخارجي الذي بدأ مع حكومة د.عصام شرف التي دون مقدمات اغلقت الملف ليعاود الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء ووزير المالية في حكومة عصام شرف الثانية فتحه مرة ثانية ويقطع شوطا كبيرا فيها ومن بعده ممتاز السعيد وزير المالية الحالي الذي استأنف المفاوضات حتي اصبحنا قاب قوسين او ادني من التوقيع علي الاتفاق. يقول مسعود احمد المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الاوسط ان العام ونصف العام الماضيين كانا فترة صعبة علي بلدان التحول العربي, فهي تواجه ضغوطا اقتصادية في سياق سعيها لإدارة التغيير السياسي وتلبية المطالب الاجتماعية الملحة, واستوجبت هذه الفترة التعامل مع خيارات صعبة, في ظل اضطرابات كبيرة متزامنة مع ما يشهده الاقتصاد العالمي من اضطرابات, وطوال هذه الفترة الصعبة, استمرت المشاركة الوثيقة من جانب الصندوق. فقد قدمنا المشورة للبلدان الأعضاء حول كيفية إدارة الصدمات للحفاظ علي الاستقرار الاقتصادي, وضمان حماية الأسر في أثناء فترة التحول, ووضع الأساس اللازم لزيادة فرص العمل, ونقدم المساعدة الفنية أيضا لدعم جهود البلدان في مجال بناء القدرات وتقوية المؤسسات. وقد قمنا بذلك في مصر, علي سبيل المثال, فيما يتصل بالإصلاح الضريبي لتحسين العدالة الضريبية, ومن الأولويات الأخري مساعدة البلدان في تلبية احتياجاتها التمويلية نظرا للضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الموازنات الحكومية حاليا. والمتابع لتلك التصريحات وما اعلنته الحكومات الانتقالية يرصد اهم مبرراتها للاقتراض الخارجي وهي ان قرض صندوق النقد هو بمثابة شهادة علي قدرة الاقتصاد المصري علي التعافي وتخطي الصعاب التي واجهها في اثناء التحول الديمقراطي بما يسهم في عودة تدفق الاستثمارات الاجنبية لشرايين الاقتصاد المصري ويوقف التدهور الحادث في احتياطي مصر من العملات الاجنبية الذي وصل لنحو14.4 مليار دولار في نهاية يوليو الماضي بتراجع1.1 مليار دولار في شهر واحد واكثر من22 مليار دولار منذ يناير.2011 ورغم تأكيد المسئولين وجانب من الخبراء الاقتصاديين هذه الرؤية, بل قولهم ان مصر قد لا تحتاج للسحب من مبلغ القرض, مثلما حدث في آخر اتفاق بين مصر وصندوق النقد اواخر التسعينيات, فإن الاتفاق الجديد مع الصندوق تعثر لأسباب كثيرة لعل من اهمها موقف مجلس الشعب قبل حله وحزب الحرية والعدالة. فطبقا لتصريحات المهندس سعد الحسيني رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب المنحل التي اكدت عدم وجود رفض مسبق لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي, وانما المشكلة في عدم وضوح برنامج الاصلاح الاقتصادي لحكومة الدكتور الجنزوري في ذلك الوقت, مطالبا بمزيد من الايضاحات حول آليات البرنامج وتفاصيله واوجه صرف مبلغ القرض وكيف سيتم سداد قيمته اذا تم الحصول علي القرض بالفعل. هذا الرأي اكده ايضا محمد جوده امين اللجنة الاقتصادية بالحرية والعدالة, حيث اكد ان الحزب لم يرفض او يقبل توقيع اتفاق مع الصندوق والحصول علي قرض منه, مشيرا الي ان عدم التوصل لقرار يرجع الي ان الحكومات الانتقالية السابقة لم تمد الحزب بأية بيانات حول كيفية انفاق القرض وكيفية سداده, وتأثير ذلك علي الاجيال القادمة. ايضا فإن بعض القوي الشعبية قادت حملة لرفض القرض خاصة مع اشتداد ازمة الديون السيادية في اوروبا وعلي رأسها ازمة اليونان, وهو ما دق ناقوس الخطر في ظل ارتفاع حجم الدين العام علي مصر وبلوغه مرحلة حرجة, حيث بلغ اكثر من تريليون جنيه, وهو ما عده الكثيرون يتجاوز مرحلة الامان المتعارف عليها دوليا, وعبر عن هذا الرفض الحملة الشعبية لاسقاط ديون مصر وعددت اسباب رفضها في: هدف الحكومة من البرنامج الاصلاحي هو تقليص عجز الموازنة العامة دون ان يرتبط ذلك بجانب التشغيل والعدالة الاجتماعية, وهو نفس منهج حكومات مبارك التي ادت لافقار المصريين, بجانب ان الاقتراض يترتب عليه زيادة في عبء المديونية وبالتالي زيادة في الانفاق العام دون تحقيق اية موارد جديدة بما يعني تحقيق مزيد من عجز الموازنة, يتم مواجهته بمزيد من الاقتراض وهلم جرا. ايضا فإن برنامج الاصلاح يتحدث عن تعديل الضرائب علي الدخل دون اعطاء اية تفاصيل, وعدم الشفافية هذا يثير المزيد من القلق حول هل توجه السياسة الضريبية هل هي ضد الفقراء ام الاغنياء. ايضا اللجوء إلي ضرائب المبيعات ضمن اليات البرنامج لتحقيق مزيد من الايرادات هو عين الظلم, لان ضريبة المبيعات يتحملها كل من يشتري سلعة او يحصل علي خدمة يتساوي فيها الغني والفقير, فالكل يدفع الضريبة, كما ان معدل الضريبة في مصر اعلي من المعدل المطبق في الولاياتالمتحدةالامريكية نفسها. كما ان الحملة تري ان رفع ايجار الاراضي الزراعية المستخدمة اساسا لتقدير قيمة ضريبة الاطيان الزراعية هو خطوة ستؤدي لمزيد من افقار الريف الذي يتركز فيه40% من فقراء مصر, ايضا من ضمن اسباب الرفض ان خفض دعم الطاقة بأكثر من25 مليار جنيه بموازنة العام الحالي وهو هدف لا توجد ضمانات بألا يؤثر تحقيقه سلبا علي اوضاع الفقراء. اخيرا ومع فتح حكومة الدكتور هشام قنديل لملف قرض صندوق النقد الدولي مرة رابعة, وحتي لا يتكرر هذا السيناريو في مفاوضات حماسية ثم تتوقف دون معرفة السبب أو ان يقول الصندوق انه في انتظار توافق مجتمعي علي الاتفاق, فإننا نطالب الدكتور قنديل بدراسة الملف جيدا, خاصة اوجه الاعتراض سواء علي السياسات والاهم عدم اشراك المجتمع بصورة حقيقية في الملف واصل المشكلة وهو العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة. نحن نثق في ان المجتمع المصري يمكنه ان يقدم عشرات الافكار والآليات للمساهمة في سد هذا العجز من خلال توليد موارد حقيقية للدولة والتي لا تحتاج لوقت علي الاطلاق, لعل منها اعادة تشغيل مصنع موبكو للأسمدة, والذي اضاع من الدولة مليارا ونصف المليار دولار حتي الآن, ايضا اصدار قانون الثروة التعدينية الجديد, فهل يعقل ان الف كيلو متر من المناجم لا تحقق رسوم تراخيص سوي330 ألف جنيه فقط حصلتها العام الماضي هيئة الثروة المعدنية, نحن واثقون من قدرة مصر علي مواجهة تلك المشكلة وحلها بصورة جذرية, والتي تتطلب بجانب الاستماع لآراء الخبراء والمختصين التعرف ايضا علي اراء ومبادرات افراد المجتمع, فبالتأكيد ان آراء80 مليون مصري كفيلة بانجاز الكثير.