منذ أن بدأت العملية العسكرية والتى سمتها أنقرة « غصن الزيتون « فى الشمال السورى قبل أكثر من شهرين ، وباريس لم تفوت مناسبة إلا وعبرت عن رفضها لها ،ورغم إقرارها بحق تركيا فى الدفاع عن أمنها ودحر الإرهاب إلا أنها فى ذات الوقت طالبت بعدم المساس بالسيادة السورية ، داعية الحكومة التركية لضبط النفس وسرعة إنهاء وجودها العسكرى. بالتوازى بذل أردوغان شخصيا جهدا مضنيا لاحتواء قصر الإليزية والساكن على قمته وبالفعل ذهب لملاقاته والجلوس معه ، وأسهب فى الاتصالات الهاتفية التى اجراها معه، وجل أمله أن تذهب خططه إلى نهاياتها فى بسط يده على ما بعد تخومه بعمق الاراضى السورية، وبحيث لا يخالفه فيها أحد خاصة من دولة مهمة ومؤثرة كفرنسا». ويبدو أنه تصور أن الأخيرة لن تجنح إلى ما هو أكثر من الشجب والإدانة، والرفض اعتقادا منه أنه اجزل العطاء لإيمانويل ماكرون واستجاب لطلبه وأفرج فى سبتمبر العام الماضى عن أحد مواطنيه الصحفى «لو بورو» الذى كان يجرى تحقيقات صحفية بمدن جنوب شرق الاناضول وأمضى قيد الاعتقال قرابة شهرين بتهمة التعاون مع إرهابيين فى إشارة إلى عناصر منظمة حزب العمال الكردستانى. لكن أردوغان تناسى جملة أحداث، ستسهم لاحقا فى وجود موقف فرنسى أكثر اقترابا وفهما للطموحات الكردية، فى مقدمتها اغتيال ثلاث ناشطات كرديات فى باريس قبل خمس سنوات ، والذى جاء مباشرة بعد لقائهن بالرئيس السابق فرانسوا أولاند ، واحتجاج أنقرة الشديد على تلك الخطوة، ولم يكشف عن فاعليه ، صحيح أن باريس لم تشر إلى أى دور تركى فى تلك الجريمة حتى ولو تلميحا إلا أن الميديا الفرنسية اتهمت المخابرات التركية صاحبة المصلحة فى تصفية الرموز الكردية المناوئة لحكومة العدالة والتنمية. ومع صدور قرار مجلس الامن 2401 الذى فرض هدنة لمدة شهر فى سوريا مطالبا جميع الأطراف بوقف إطلاق النار فى كل البلاد ، اعتبره ماكرون انه ينطبق على عفرين أيضا وهو ما رفضه اردوغان، مشددا على استمرار ما بدأه إلى أن يحقق كل أهدافه التى من اجلها دخلت قواته الأراضى السورية. إذن أجواء التوتر الحاصلة الآن بين البلدين ، وفى محاولة غير مباشرة لإظهار مدى تعاطف الجمهورية الفرنسية للأكراد جاء لقاء ماكرون الذى تأخر كثيرا بقيادات سوريا الديمقراطية ، فى ذات المسلك الذى سلكه سلفه، غير أن الرئيس الشاب زاد على ذلك بأن أبدى استعداده للقيام بوساطة «لتقريب وجهات النظر بين القادة والأتراك» ثم اختتم عرضه بقنبلة فجرها فى وجه وريثة الإمبراطورية العثمانية إذ أعلن عن عزمه إرسال قوات لمساندة المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة إجمالا إرهابيين. وطبيعى أن يجن جنون ساسة الأناضول ، فمجرد طرح مصطلح وساطة وسماع تركيا له فهذا معناه أنها على استعداد أن تجلس مع من تصفهم ليل نهار بأنهم امتداد للانفصاليين الذين يريدون تجزئة البلاد وتفتيتها. من هنا كان على تركيا أن تزعق : لا تفاوض ولا تصافح مع الإرهابيين، وإنما اجتثاثهم من جذورهم، ولم تنس أن تذكر فرنسا بمطامعها فى سوريا وماضيها الاستعمارى متسائلة «هل تريد فرنسا أن يعيش الشعب السورى الظلم نفسه الذى عانى منه الجزائريون؟». أذن الإرسال المحتمل للقوات الفرنسية إلى شمال سوريا دعما للمقاتلين الأكراد هناك، « سيكون بمثابة محاولة لاحتلال أرض سورية» ومن ثم ستكون «هدفا لتركيا» نفس الكلام سبق وتم توجيهه بعبارات أشد قسوة إلى واشنطن الداعمة أيضا وبقوة لسوريا الديمقراطية ، ولكن لم تحدث مواجهة ولن تحدث بين الجيشين التركى والأمريكى وهذا ما سوف ينطبق على فرنسا التى لها أصلا قوات كوماندوزخاصة بالمنطقة. بالتزامن مع تلك التطورات العاصفة تواترت أنباء أفادت بأن حكومة العدالة والتنمية قررت تعيين محافظ لمدينة عفرين السورية وستربطها إداريا ب«هطاى الحدودية» وهو ما أكده حسن شيندى المتحدث الرسمى باسم مؤتمر تحرير عفرين الذى تأسس فى مدينة غازى عنتاب المتاخمة للاراضى السورية للاذاعة الالمانية قسم اللغة التركية ، واشار إلى أنه تم انتخاب برلمان لعفرين مكون من 18 شخصا و 7 اعضاء احتياط فى اجتماع عقد فى غازى عنتاب. وفى ذات الوقت يتواصل استنزاف الجيش التركى وكذلك الفصائل المتحالفة معه، وقيل إن 30 مسلحا على الأقل من فصيل «السلطان مراد» قتلوا فى عملية نوعية نفذها مقاتلون أكراد فى ناحية شرا بعفرين إضافة إلى مقتل 4 جنود أتراك فى هجوم نفذته وحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة فى تلة مامى غور فى ناحية بلبل. ومع هذا ليس هناك مؤشر يشير إلى أن أردوغان قد يتراجع أو يتوقف عن خطابه الدعائى بضرورة التوغل أكثر فى الشمال السورى ، وكيف له ذلك والبلاد على أبواب استحقاقات انتخابية، والدليل على ذلك أنه استغل أزمته الأزمة الجديدة مع فرنسا من أجل استعادة شعبيته وما يهمه الآن هو « أن يعود الى شعبه عشية انتخابات العام المقبل وقد صال وجال محملا بالأنتصارات وقد تهاوت المدن والحواضر تحت أزيز دبابات جيوشه قولا وليس فعلا».