لا أنسى ابدا عندما سألت مسئولا إماراتيا فى حديث ودي... كيف استطعتم تحقيق معجزة التقدم وليس عندكم ما عندنا من علماء وخبراء وأجهزة ومؤسسات؟ ابتسم الرجل وقال لى فى عفوية مدهشة، ربما من أجل ذلك نجحنا، فصلنا بدلة جديدة، أنتم تحاولون إصلاح الملابس القديمة فتقعون فى تعقيدات وتشابكات وقوانين وروتين وبالتالى لا يتحقق شيء. تأملت كلامه فى تجربة الفجيرة، ، ثالث أهم ميناء لتزويد السفن بالوقود فى العالم, موقعها فريد على بحر عمان وعلى المحيط الهندي، البساطة التى تدار بها الأمور فى تطوير الإمارة مدهشة ومتسارعة، مثلا فى مهرجان الفجيرة الثقافى تتطور الفكرة مع الزمن، ويتحول من مهرجان للمونودراما إلى مهرجان دولى للفنون يوفر له الشيخ حمد الشرقى حاكم الامارة كل الإمكانات لأنه يعلم المردود اقتصاديا عندما تنجح فى تقديم نفسك بصورة حداثية للعالم. تدهشك التقنيات والتكنولوجيا والألعاب النارية فى حفل الافتتاح للمخرج السوري ماهر الصليبي.. أيضا الموسيقى كانت سببا رئيسيا للمتعة والابهار من الفنان الأردنى وليد الهشيم وعندما تذهب بعد ذلك لمشاهدة عروض المونودراما تكتشف أن الوجع الإنسانى تقريبا واحد عند كل الشعوب، قلق وخوف من المستقبل وعليه وإحساس بالوحدة رغم كل المنجز البشرى فى زمن الانفجار المعرفي. تحدثت إلى الممثل والمسرحى الانجليزى (مات بانش) عن نزوع المونودراما إلى جو البكائيات المفعمة بالكآبة والشكوى وإصرار الممثلين على الحديث بلغاتهم فيفقد الجمهور من الجنسيات الأخرى التواصل، فقال لى المشكلة ليست اللغة.. تستطيع قراءة ملخص المسرحية قبل مشاهدتها، لكن المشكلة هى باقى عناصر الإبداع مثل لغة الجسد والإضاءة والموسيقي، إنها لغة عالمية يفهمها الجميع. أما الدكتور أسامة أبو طالب فيرى أن المونودراما ليست هى الحل إنما الديالوج هو مفجر الحيوية وأنا أوافقه. النجوم المصريون لبلبة وإلهام شاهين وأحمد رزق وأحمد السعدنى صفقوا كثيرا لعرض نشوى مصطفي، سيلفى مع الموت، تمثل فيه حالة الحى الميت فى الوقت نفسه فى أداء بارع فجرته تجربة ذاتية حين مات والدها رحمه الله. سألنى الممثل المصرى هانى رمزى عن رأيى فى المونودراما فرجوته أن يقرأ رائعة باتريك زوسكند.. مونودراما (كونترباص), يحكى فيها عازف مسكين عن نظرة المايسترو له وعدم تقديره مثل عازف السوليست.. وتأكيده أهمية الكونترباص فى الأوركسترا ولكن لا أحد للأسف يعطيه قدره.. الممتع فى المهرجان أن الأحاديث لا تنتهي.. طوال الوقت هناك اشتباكات فكرية ممتعة.. كريستين شاملور مديرة معهد تدريب مسرحى ألمانى حدثتنى عن احتياج كل من الغرب والعرب للحوار والتفاهم خاصة مع ظاهرة المهاجرين العرب والمسلمين فى ألمانيا وأوروبا ومشكلة التكيف والاندماج ثم تطرق الحديث إلى تلاعب السياسيين بمقادير الناس فى صراع الأحزاب من أجل الوصول إلى السلطة. فى المهرجان تشاهد وجوها شبيهة لنا من جنوب إفريقيا. الممثل كورت إيجلهوف.. قال لى بحماس شديد.. نريد توءمة بين القاهرة وكيب تاون. نحن فعلناها مع المغرب تبادلنا الفرق المسرحية ونجحنا فى الربط الثقافى الإفريقى بين الشمال والجنوب.. كلامه يجعلك تعيد النظر ألاف المرات فى مسألة غياب رؤية إستراتيجية لإدارة ملف القوى الناعمة والدبلوماسية الثقافية.. اين وزارة الثقافة من كل هذا؟. من حسن الحظ أن رئيس الهيئة الدولية للمسرح التابعة لليونسكو الآن هو شخصية إماراتية (محمد سعيد الأفخم) وهى فرصة لإيجاد ديالوج ثقافى بين العرب والعالم من خلال المسرح الذى هو أبو الفنون الديمقراطية. خمسة وثلاثون عرض مونودراما فى مهرجان الفجيرة.. لم يأخذنى منها إلا الخروج لاحتساء شاى الكرك بخلطته السحرية والعودة ثانية. لمزيد من مقالات جمال الشاعر